فِي بَعْضِ الْوُجُوهِ فَلَعَلَّهُ لَا يُخْرِجُ إلَّا الْقَدْرَ الْمُسَمَّى لِأَحَدِهِمَا مِنْ الرِّبْحِ وَنَظِيرُهُ الْمُزَارَعَةُ عِنْدَ مَنْ يُجِيزُهَا
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِكُلٍّ مِنْ شَرِيكِي الْعِنَانِ وَالْمُفَاوَضَةِ أَنْ يُبْضِعَ) لِأَنَّهُ مُعْتَادٌ بَيْنَ التُّجَّارِ وَلِأَنَّ لَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ مَنْ يَتْجُرَ فِيهِ فَبِغَيْرِ الْأَجْرِ أَوْلَى لِأَنَّهُ دُونَهُ لِعَدَمِ الْمُؤْنَةِ فِيهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَسْتَأْجِرُ) أَيْ لِيَتْجُرَ فِيهِ أَوْ لِيَحْفَظَ الْمَالَ لِأَنَّهُ مُعْتَادٌ بَيْنَ التُّجَّارِ وَلِأَنَّهُ قَدْ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ مُبَاشَرَةُ الْكُلِّ بِنَفْسِهِ فَلَا يَجِدُ لَهُ بُدًّا مِنْهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُودِعُ) لِأَنَّهُ إقَامَةُ الْحَافِظِ فِي الْمَالِ فَإِذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَحْفِظَ بِأَجْرٍ فَبِغَيْرِ أَجْرٍ أَوْلَى قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُضَارِبُ) لِأَنَّهُ بِالدَّفْعِ إلَى الْمُضَارِبِ يَصِيرُ الْمُضَارِبُ مُودِعًا وَبِالتَّصَرُّفِ وَكِيلًا وَبِالرِّبْحِ أَجِيرًا وَالشِّرْكَةُ فِيهِ ضَرُورِيَّةٌ تُثْبِتُ ضَرُورَةَ اسْتِحْقَاقِ الْأَجْرِ مِنْ الرِّبْحِ مُشَاعًا فَلَهُ أَنْ يَفْعَلَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ كُلَّهَا عَلَى الِانْفِرَادِ فَكَذَا عَلَى الِاجْتِمَاعِ وَلِأَنَّهُ اسْتِئْجَارٌ بِبَعْضِ الْخَارِجِ مِنْ الْعَمَلِ فَإِذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ بِشَيْءٍ فِي الذِّمَّةِ فَلَأَنْ يَجُوزَ هَذَا أَوْلَى وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ نَوْعُ شِرْكَةٍ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَهُوَ رِوَايَةُ الْأَصْلِ لِأَنَّ الشِّرْكَةَ فِيهِ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ تَحْصِيلُ الرِّبْحِ فَصَارَ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ لِيَتْجُرَ فِيهِ بَلْ أَوْلَى عَلَى مَا بَيَّنَّا بِخِلَافِ الشِّرْكَةِ لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يَتَضَمَّنُ مِثْلَهُ وَالْمُضَارَبَةُ دُونَ الشِّرْكَةِ فَتَتَضَمَّنُهَا وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهَا دُونَهَا أَنَّ الْمُضَارِبَ لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الْوَضِيعَةِ وَأَنَّهُ إذَا فَسَدَتْ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنْ الرِّبْحِ وَلَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا الْمُكَاتَبُ وَالْمَأْذُونُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ حَيْثُ يَجُوزُ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يُكَاتِبَ وَلِلْمَأْذُونِ لَهُ أَنْ يَأْذَنَ وَإِنْ كَانَ مِثْلَهُمَا لِأَنَّا نَقُولُ أَطْلَقَ لَهُمَا الِاكْتِسَابَ وَهَذَا مِنْ بَابِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُمَا الْبَيْعُ وَهَذَا دُونَهُ إذْ لَا يَخْرُجُ فِي الْإِذْنِ مِنْ مِلْكِهِ أَصْلًا وَفِي الْكِتَابَةِ حَتَّى يَقْبِضَ الثَّمَنَ وَهُوَ بَدَلُ الْكِتَابَةِ وَلِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ اسْتِتْبَاعِ الْمِثْلِ فِي حَقِّ الْغَيْرِ وَأَمَّا فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَلَا يُمْنَعُ وَالْمُكَاتَبُ أَوْ الْمَأْذُونُ لَهُ مُتَصَرِّفٌ لِنَفْسِهِ بَعْدَ فَكِّ الْحَجْرِ فَلَا يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ وَالْمُضَارِبِ وَالشَّرِيكِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُوَكِّلُ) لِأَنَّهُ مُتَعَارَفٌ بَيْنَهُمْ وَهُوَ دُونَ الشِّرْكَةِ وَلِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ مَنْ يَحْفَظُ الْمَالَ وَمَنْ يَتْجُرُ فِيهِ فَأَوْلَى أَنْ يُوَكِّلَ لِأَنَّهُ دُونَ الِاسْتِئْجَارِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَدُهُ فِي الْمَالِ أَمَانَةٌ) لِأَنَّهُ قَبَضَهُ بِإِذْنِ صَاحِبِهِ لَا عَلَى وَجْهِ الْمُبَادَلَةِ وَالْوَثِيقَةِ فَصَارَ كَالْوَدِيعَةِ وَالْعَارِيَّةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَقَبُّلٍ إنْ اشْتَرَكَ خَيَّاطَانِ أَوْ خَيَّاطٌ وَصَبَّاغٌ عَلَى أَنْ يَتَقَبَّلَا الْأَعْمَالَ وَيَكُونَ الْكَسْبُ بَيْنَهُمَا) أَيْ شِرْكَةُ الْعَقْدِ تَقَبُّلٌ أَيْ شِرْكَةُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ فَلَعَلَّهُ لَا يُخْرِجُ إلَّا الْقَدْرَ الْمُسَمَّى لِأَحَدِهِمَا مِنْ الرِّبْحِ) أَيْ وَهُوَ خِلَافُ مُقْتَضَى الشِّرْكَةِ لِأَنَّ مُقْتَضَاهَا الِاشْتِرَاكُ فِي الرِّبْحِ لَا اخْتِصَاصُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَنَقَلَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى عَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي أَوَّلِ الْمُضَارَبَةِ الشَّرِكَاتُ لَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ وَإِذَا شَرَطَ فِي الْمُضَارَبَةِ رِبْحُ عَشْرَةٍ أَوْ فِي الشِّرْكَةِ تَبْطُلُ لَا لِأَنَّهُ شَرْطٌ فَاسِدٌ بَلْ لِأَنَّهُ شَرْطٌ يَنْتَفِي بِهِ الشِّرْكَةُ وَقَالَ فِي الشَّامِلِ فِي قِسْمِ الْمَبْسُوطِ اشْتَرَطَا عَلَى أَنْ تَكُونَ الْوَضِيعَةُ لَا عَلَى قَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ بِأَنَّ أَحَدَهُمَا بِأَلْفٍ وَالْآخَرَ بِأَلْفَيْنِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الرِّبْحُ وَالْوَضِيعَةُ نِصْفَيْنِ فَهِيَ فَاسِدَةٌ يَعْنِي الشَّرْطُ فَاسِدٌ لِأَنَّ رَأْسَ الْمَالِ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الشَّرِيكِ وَالْأَمَانَةُ لَا تُضْمَنُ بِالشَّرْطِ كَالْوَدِيعَةِ وَالْعَقْدُ جَائِزٌ لِأَنَّ الشِّرْكَةَ عَقْدٌ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ لَا يَلْزَمُ فِي عَقْدٍ جَائِزٍ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ الرِّبْحُ وَالْفَسَادُ مَا تَعَدَّى إلَيْهِ فَإِنْ عَمِلَا عَلَى هَذَا الشَّرْطِ فَرَبِحَا فَالرِّبْحُ عَلَى مَا اشْتَرَطَا لِمَا عُرِفَ وَالْوَضِيعَةُ عَلَى قَدْرِ رَأْسِ مَالِهِمَا لِأَنَّ هَلَاكَ الْأَمَانَةِ يَكُونُ عَلَى صَاحِبِ الْمَالِ إلَى هُنَا لَفْظُ الشَّامِلِ اهـ أَتْقَانِيٌّ
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيُودِعُ) أَيْ مَالَ الشِّرْكَةِ لِأَنَّ عَادَةَ التُّجَّارِ فِيمَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ جَرَتْ كَذَلِكَ قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُعِيرَ فِي الْقِيَاسِ فَإِنْ فَعَلَ فَأَعَارَ دَابَّةً فَعَطِبَتْ تَحْتَ الْمُسْتَعِيرِ فَالْقِيَاسُ فِيهِ أَنَّ الْمُعِيرَ ضَامِنٌ لِنِصْفِ قِيمَةِ الدَّابَّةِ لِشَرِيكِهِ وَلَكِنِّي أَسْتَحْسِنُ أَنْ لَا أَضْمَنَهُ وَهَذَا قِيَاسُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَكَذَا لَوْ أَعَارَ ثَوْبًا أَوْ دَارًا أَوْ خَادِمًا إلَى هُنَا لَفْظُ الْحَاكِمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ نَوْعُ شِرْكَةٍ) أَيْ وَلَيْسَ لِشَرِيكِ الْعِنَانِ أَنْ يُشَارِكَهُ غَيْرُهُ لِأَنَّ الشِّرْكَةَ الثَّانِيَةَ مِثْلُ الْأُولَى فَلَا تَكُونُ مِنْ أَحْكَامِهَا وَأَتْبَاعِهَا فَكَذَا لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ مُضَارَبَةً إلَّا إذَا نَصَّ عَلَى ذَلِكَ كَمَا يَجُوزُ أَنْ يُشَارِكَ غَيْرَهُ إذَا نَصَّ عَلَيْهَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيُوَكِّلُ لِأَنَّهُ مُتَعَارَفٌ بَيْنَهُمْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ لِأَنَّ الشِّرْكَةَ مُنْعَقِدَةٌ عَلَى عَادَةِ التُّجَّارِ وَفِي عَادَتِهِمْ تَوْكِيلُ الشَّرِيكِ مَنْ يَتَصَرَّفُ فِي مَالِ الشِّرْكَةِ فَجَازَ ذَلِكَ أَوْ نَقُولُ الْمَقْصُودُ مِنْ عَقْدِ الشِّرْكَةِ التِّجَارَةُ لِتَحْصِيلِ الرِّبْحِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ رُبَّمَا لَا يَتَهَيَّأُ لَهُ الْمُبَاشَرَةُ بِنَفْسِهِ لِلتِّجَارَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّوْكِيلِ فَيَثْبُتُ التَّوْكِيلُ فِي ضِمْنِ التِّجَارَةِ تَبَعًا لَهَا بِدَلَالَةِ الْحَالِ فَصَارَ كَأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَمَرَ صَاحِبَهُ أَنْ يُوَكِّلَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ حَيْثُ لَا يَمْلِكُ التَّوْكِيلَ لِأَنَّهُ عَقْدٌ خَاصٌّ ثَبَتَ مَقْصُودُ التَّحْصِيلِ شَيْءٌ مَعْلُومٌ جِنْسُهُ وَصِفَتُهُ فَلَمْ يَثْبُتْ فِي ضِمْنِهِ تَبَعًا مَا هُوَ مِثْلُهُ قَالَ الْكَرْخِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي مُخْتَصَرِهِ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الرَّهْنِ إذَا رَهَنَ أَحَدُ شَرِيكَيْ الْعِنَانِ مَتَاعًا مِنْ الشِّرْكَةِ بِدَيْنٍ عَلَيْهِمَا لَمْ يَجُزْ وَكَانَ ضَامِنًا لِلرَّهْنِ وَلَوْ ارْتَهَنَ بِدَيْنٍ لَهُمَا أَدَانَاهُ وَقَبَضَ لَمْ يَجُزْ عَلَى شَرِيكِهِ مِنْ قَبْلُ أَنَّهُ لَمْ يُسَلِّطْهُ أَنْ يَرْتَهِنَ فَإِنْ هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِهِ وَقِيمَتُهُ وَالدَّيْنُ سَوَاءٌ ذَهَبَ بِحِصَّتِهِ وَيَرْجِعُ شَرِيكُهُ بِحِصَّتِهِ عَلَى الْمَطْلُوبِ وَيَرْجِعُ الْمَطْلُوبُ بِنِصْفِ قِيمَةِ الرَّهْنِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَإِنْ شَاءَ شَرِيكُهُ الْمُرْتَهِنَ ضَمَّنَ شَرِيكَهُ حِصَّتَهُ مِنْ الدَّيْنِ لِأَنَّ هَلَاكَ الرَّهْنِ فِي يَدِهِ بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِيفَاءِ اهـ
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيَدُهُ فِي الْمَالِ) يَعْنِي أَنَّ كُلًّا مِنْ الْمُفَاوِضَيْنِ وَشَرِيكَيْ الْعِنَانِ يَدُهُ يَدُ الْأَمَانَةِ حَتَّى إذَا هَلَكَ الْمَالُ فِي يَدِهِ هَلَكَ بِلَا ضَمَانٍ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لَا عَلَى وَجْهِ الْمُبَادَلَةِ) احْتَرَزَ بِهِ عَنْ الْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ فَإِنَّهُ مَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ لِأَنَّ الْقَابِضَ عَلَى سَوْم الشِّرَاءِ قَبَضَهُ عَلَى وَجْهِ الْبَدَلِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَالْوَثِيقَةُ) احْتَرَزَ بِهِ عَنْ الرَّهْنِ فَإِنَّهُ مَضْمُونٌ بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ قَبَضَهُ عَلَى وَجْهِ الْوَثِيقَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute