جَهَالَتَهُمَا تُفْضِي إلَى النِّزَاعِ الْمَانِعِ مِنْ التَّسْلِيمِ وَالتَّسَلُّمِ فَيَخْلُو الْعَقْدُ عَنْ الْفَائِدَةِ وَكُلُّ جَهَالَةٍ تُفْضِي إلَيْهِ يَكُونُ مُفْسِدًا قَالَ (لَا مُشَارَ) أَيْ لَا يَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ الْقَدْرِ وَالْوَصْفِ فِي الْمُشَارِ إلَيْهِ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ الْمَبِيعِ؛ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ أَبْلَغُ أَسْبَابِ التَّعْرِيفِ وَجَهَالَةُ وَصْفِهِ وَقَدْرِهِ بَعْدَ ذَلِكَ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ فَلَا يُمْنَعُ الْجَوَازُ؛ لِأَنَّ الْعِوَضَيْنِ حَاضِرَانِ بِخِلَافِ الرِّبَوِيِّ إذَا بِيعَ بِجِنْسِهِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ جُزَافًا لِاحْتِمَالِ الرِّبَا وَبِخِلَافِ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ إذَا كَانَ مِنْ الْمُقَدَّرَاتِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعْرُوفَ الْقَدْرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى مَا يَجِيءُ بَيَانُهُ فِي مَوْضِعِهِ قَالَ (وَصَحَّ بِثَمَنٍ حَالٍّ وَبِأَجَلٍ مَعْلُومٍ) مَعْنَاهُ إذَا بِيعَ بِخِلَافِ جِنْسِهِ وَلَمْ يَجْمَعْهُمَا قَدْرٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: ٢٧٥] مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ وَعَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَنَّهُ اشْتَرَى مِنْ يَهُودِيٍّ إلَى أَجَلٍ وَرَهَنَهُ دِرْعَهُ» وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْأَجَلُ مَعْلُومًا؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ فِيهِ تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ قَالَ (وَمُطْلَقُهُ عَلَى النَّقْدِ الْغَالِبِ) أَيْ مُطْلَقُ الثَّمَنِ يَقَعُ عَلَى غَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ وَمُرَادُهُ مِنْ الْإِطْلَاقِ هُنَا أَنْ يَكُونَ مُطْلَقًا عَنْ قَيْدِ الْبَلَدِ وَعَنْ قَيْدِ وَصْفِ الثَّمَنِ بَعْدَ أَنْ سُمِّيَ قَدْرُهُ بِأَنْ قَالَ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ مَثَلًا فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ يَنْصَرِفُ إلَى الْمُتَعَامَلِ بِهِ فِي بَلَدِهِ؛ لِأَنَّ الْمَعْلُومَ بِالْعُرْفِ كَالْمَعْلُومِ بِالنَّصِّ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ فِيهِ تَصْحِيحُ تَصَرُّفِهِ قَالَ.
(وَإِنْ اخْتَلَفَتْ النُّقُودُ فَسَدَ إنْ لَمْ يُبَيِّنْ) وَهَذَا إذَا كَانَ الْكُلُّ فِي الرَّوَاجِ سَوَاءً وَفِي الْمَالِيَّةِ مُخْتَلِفَةً؛ لِأَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الْجَهَالَةِ مُفْضِيَةٌ إلَى الْمُنَازَعَةِ فَتَفْسُدُ إلَى أَنْ تُرْفَعَ بِالْبَيَانِ فَإِنْ كَانَتْ فِي الرَّوَاجِ مُخْتَلِفَةً يَنْصَرِفُ إلَى غَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَإِنْ كَانَتْ فِي الْمَالِيَّةِ سَوَاءً جَازَ الْبَيْعُ كَيْفَمَا كَانَ غَيْرَ أَنَّهُ إنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَرْوَجَ انْصَرَفَ إلَيْهِ لِمَا ذَكَرْنَا وَإِنْ كَانَتْ فِي الرَّوَاجِ سَوَاءً كَالْأُحَادِيِّ وَالثُّنَائِيِّ وَالثُّلَاثِيِّ جَازَ؛ لِأَنَّ مَالِيَّةَ كُلِّ وَاحِدٍ سَوَاءٌ غَيْرَ أَنَّ الْأَوَّلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُ دِرْهَمٌ وَالثَّانِي كُلُّ اثْنَيْنِ مِنْهُ دِرْهَمٌ وَالثَّالِثُ كُلُّ ثَلَاثَةٍ مِنْهُ دِرْهَمٌ وَنَظِيرُهُ الْكَامِلِيُّ وَالْعَادِلِيُّ وَالظَّاهِرِيُّ وَالْمَنْصُورِيُّ وَالنَّاصِرِيُّ الْيَوْمَ بِمِصْرَ فَإِذَا اشْتَرَى بِدَرَاهِمَ مَعْلُومَةٍ فَأُعْطِيَ مِنْ أَيُّهَا شَاءَ جَازَ؛ لِأَنَّهُ لَا مُنَازَعَةَ فِيهَا وَلَا اخْتِلَافَ فِي الْمَالِيَّةِ.
قَالَ (وَيُبَاعُ الطَّعَامُ كَيْلًا وَجُزَافًا)؛ لِأَنَّهُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَصِيرُ مَعْلُومًا أَمَّا الْمُكَايَلَةُ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا الْجُزَافُ فَلِمَا بَيَّنَّا فِي الْمُشَارِ إلَيْهِ وَمُرَادُهُ بِالْجُزَافِ إذَا بَاعَهُ بِخِلَافِ جِنْسِهِ وَلَمْ يَكُنْ رَأْسُ مَالِ السَّلَمِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي الْمُشَارِ إلَيْهِ وَبِجِنْسِهِ لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا كَانَ قَلِيلًا وَهُوَ مَا دُونَ نِصْفِ الصَّاعِ قَالَ (وَبِإِنَاءٍ أَوْ حَجَرٍ بِعَيْنِهِ لَا يُعْرَفُ قَدْرُهُ)؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْجَهَالَةَ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ وَهِيَ الْمَانِعَةُ لَا مُجَرَّدًا لِجَهَالَةِ فَصَارَ كَالْمُجَازَفَةِ وَكَبَيْعِ شَيْءٍ لَا يُعْرَفُ وَصْفُهُ بِالْإِشَارَةِ وَلَا يُتَوَهَّمُ هَلَاكُهُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ؛ لِأَنَّ تَسْلِيمَهُ يَجِبُ فِي الْمَجْلِسِ بِخِلَافِ السَّلَمِ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ فِيهِ مُتَأَخِّرٌ إلَى حُلُولِ الْأَجَلِ فَيُحْتَمَلُ هَلَاكُهُ وَالِاحْتِمَالُ فِيهِ مُلْحَقٌ بِالْحَقِيقَةِ وَهَذَا إذَا كَانَ الْإِنَاءُ لَا يَنْكَبِسُ بِالتَّكْبِيسِ وَلَا يَنْقَبِضُ وَلَا يَنْبَسِطُ كَالْقَصْعَةِ وَالْخَزَفِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ يَنْكَبِسُ كَالزِّنْبِيلِ وَالْقُفَّةِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا فِي قِرَبِ الْمَاءِ اسْتِحْسَانًا لِلتَّعَامُلِ فِيهِ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَكَذَا إذَا كَانَ الْحَجَرُ يَتَفَتَّتُ وَكَذَا إذَا بَاعَهُ بِوَزْنِ شَيْءٍ يَخِفُّ إذَا جَفَّ كَالْخِيَارِ وَالْبِطِّيخِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لَا يَجُوزُ بِوَزْنِ حَجَرٍ وَلَا بِإِنَاءٍ لَا يُعْرَفُ مِقْدَارُهُ؛ لِأَنَّ هَذَا جُزَافٌ وَشَرْطُ جَوَازِ الْجُزَافِ أَنْ يَكُونَ مُمَيَّزًا مُشَارًا إلَيْهِ وَلَوْ كَالَهُ بِهِ وَرَضِيَ الْمُشْتَرِي بِهِ جَازَ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُمَيَّزًا مُشَارًا إلَيْهِ وَإِنْ بَاعَهُ بَعْدَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُعِيدَ الْكَيْلَ جَازَ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَاهُ مُجَازَفَةً فَكَانَ الْمُسْتَحَقُّ هُوَ الْمُشَارُ إلَيْهِ.
قَالَ (وَمَنْ بَاعَ صُبْرَةً كُلَّ صَاعٍ بِدِرْهَمِ صَحَّ فِي صَاعٍ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا جَازَ فِي الْكُلِّ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ مَعْلُومٌ بِالْإِشَارَةِ؛ لِأَنَّ الْمُشَارَ إلَيْهِ لَا يَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ مِقْدَارِهِ لِجَوَازِ الْبَيْعِ وَجَهَالَةِ الثَّمَنِ بِأَيْدِيهِمَا رَفَعَهُمَا فَيَجُوزُ، كَمَا لَوْ بَاعَ عَبْدًا مِنْ عَبْدَيْنِ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ أَيَّهُمَا شَاءَ، بِخِلَافِ مَا إذَا آجَرَ دَارِهِ كُلَّ شَهْرٍ بِدِرْهَمٍ حَيْثُ لَا يَجُوزُ إلَّا فِي شَهْرٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ الشُّهُورَ لَا نِهَايَةَ لَهَا فَلَا يُمْكِنُ إزَالَةُ الْجَهَالَةِ فِيهَا فَيُصْرَفُ إلَى الْأَقَلِّ، كَمَا إذَا قَالَ لِفُلَانٍ عَلَى كُلِّ دِرْهَمٍ يَلْزَمُهُ دِرْهَمٌ وَاحِدٌ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ حَيْثُ يَنْصَرِفُ إلَى الْكُلِّ لِعَدَمِ إفْضَائِهِ إلَى الْمُنَازَعَةِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الثَّمَنَ مَجْهُولٌ وَذَلِكَ مُفْسِدٌ غَيْرَ أَنَّ الْأَقَلَّ مَعْلُومٌ فَيَصِحُّ فِيهِ لِلتَّيَقُّنِ بِهِ وَمَا عَدَاهُ مَجْهُولٌ فَيَفْسُدُ كَمَا إذَا بَاعَ الثَّوْبَ بِرَقْمِهِ، بِخِلَافِ مَا اسْتَشْهَدَا بِهِ؛ لِأَنَّ الرَّافِعَ لِلْجَهَالَةِ هُنَا وَهُوَ الْكَيْلُ مُتَأَخِّرٌ عَنْ الْعَقْدِ وَفِي تِلْكَ مُقَارِنٌ؛ لِأَنَّ اخْتِيَارَهُ مَوْجُودٌ حَالَةَ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: تَكُونُ مُفْسِدَةً) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ وَيَكُونُ مُفْسِدًا اهـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ تَكُونُ مُفْسِدَةً مَا نَصُّهُ كَمَا فِي السَّلَمِ فَإِنَّ مَعْرِفَةَ قَدْرِ الْمُسْلَمِ فِيهِ شَرْطٌ لِجَوَازِ الْعَقْدِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْإِعْرَاضَ إذَا كَانَتْ غَيْرَ مُشَارٍ إلَيْهَا سَوَاءٌ كَانَ ثَمَنًا أَوْ مُثَمَّنًا يُشْتَرَطُ فِيهَا مَعْرِفَةُ الْمِقْدَارِ فِي الْمَبِيعِ وَمَعْرِفَةُ مِقْدَارِ الثَّمَنِ وَوَصْفُهُ. اهـ. عَيْنِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: لَا مُشَارُ) بِالرَّفْعِ كَمَا اقْتَضَاهُ صَنِيعُ الْعَيْنِيِّ فِي شَرْحِهِ اهـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ لَا مُشَارَ مَا نَصُّهُ لَا يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ قَدْرٍ وَوَصْفٍ مُشَارٍ فَحَذَفَ الْمُضَافَ وَأَقَامَ مُشَارًا مَقَامَهُ. اهـ. .
(قَوْلُهُ: وَالنَّاصِرِيُّ) مَاتَ النَّاصِرِيُّ مُحَمَّدُ بْنُ قَلَاوُونَ سَنَةَ سَبْعِمِائَةٍ وَإِحْدَى وَأَرْبَعِينَ وَمَاتَ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - سَنَةَ سَبْعمِائَةٍ وَثَلَاثَةٍ وَأَرْبَعِينَ. اهـ. .
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَيُبَاعُ الطَّعَامُ كَيْلًا) أَيْ مِنْ جِهَةِ الْكَيْلِ. اهـ. عَيْنِيٌّ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْجُزَافُ فَلِمَا بَيَّنَّاهُ) أَيْ مِنْ أَنَّهُ بِالْإِشَارَةِ تَرْتَفِعُ الْجَهَالَةُ. اهـ. .
(قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَمَنْ بَاعَ صُبْرَةً) هِيَ اسْمٌ لِكَوْمٍ مِنْ الْحَبِّ. اهـ. عَيْنِيٌّ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: كُلَّ صَاعٍ) بِالنَّصْبِ بَدَلٌ مِنْ صُبْرَةٍ اهـ.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمَبِيعَ مَعْلُومٌ بِالْإِشَارَةِ) أَيْ إلَى الْجُمْلَةِ وَالثَّمَنُ مَعْلُومٌ بِالْعَدِّ وَبِهِ قَالَتْ الثَّلَاثَةُ. اهـ. عَيْنِيٌّ