للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذْ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَسْخٌ عَلَى تَقْدِيرٍ وَإِجَازَةٌ عَلَى تَقْدِيرٍ وَالِاخْتِلَافُ فِيمَا يَقَعُ بِهِ الْفَسْخُ وَالْإِجَازَةُ لَا فِي نَفْسِ الْفَسْخِ عِنْدَ إرَادَةِ الْفَسْخِ وَلَا فِي نَفْسِ الْإِجَازَةِ عِنْدَ إرَادَةِ الْإِجَازَةِ فَلَا يُعَدُّ اخْتِلَافًا ثُمَّ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ مَرَّا عَلَى أَصْلِهِمَا فِي الزِّيَادَةِ عَلَى الثَّلَاثَةِ فِي الْمُلْحَقِ بِهِ وَهُوَ شَرْطُ الْخِيَارِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَأَبُو يُوسُفَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي هَذَا وَمَعَ مُحَمَّدٍ فِي شَرْطِ الْخِيَارِ أَخَذَ بِالنَّصِّ فِي هَذَا وَبِالْأَثَرِ فِي ذَلِكَ قَالَ (فَإِنْ نَقَدَ فِي الثَّلَاثِ صَحَّ) يَعْنِي فِيمَا إذَا شَرَطَا أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَإِنَّمَا صَحَّ لِزَوَالِ الْمُفْسِدِ وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ ثُمَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى وُجُوهٍ إمَّا أَنْ لَا يُبَيِّنَا الْوَقْتَ أَوْ بَيَّنَّا وَقْتًا مَجْهُولًا بِأَنْ يَقُولَ عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يَنْقُدْهُ أَيَّامًا أَوْ بَيَّنَّا وَقْتًا مَعْلُومًا وَهُوَ أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَهُوَ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ كُلِّهَا فَاسِدٌ إلَّا أَنْ يَنْقُدَ فِي الثَّلَاثِ لِمَا قُلْنَا أَوْ بَيَّنَّا وَقْتًا مَعْلُومًا وَهُوَ الثَّلَاثَةُ أَيَّامٍ أَوْ دُونَهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِمَا بَيَّنَّا قَالَ.

(وَخِيَارُ الْبَائِعِ يَمْنَعُ خُرُوجَ الْمَبِيعِ عَنْ مِلْكِهِ) لِأَنَّ تَمَامَ الْبَيْعِ لَا يَكُونُ إلَّا بِالتَّرَاضِي وَلَا يَتِمُّ الرِّضَا مَعَ الْخِيَارِ، وَلِهَذَا يَنْفُذُ عِتْقُ الْبَائِعِ وَيَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِيهِ دُونَ الْمُشْتَرِي وَإِنْ قَبَضَهُ بِإِذْنِ الْبَائِعِ قَالَ (وَبِقَبْضِ الْمُشْتَرِي يَهْلَكُ بِالْقِيمَةِ) يَعْنِي إذَا قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي وَهَلَكَ فِي يَدِهِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ يَنْفَسِخُ بِالْهَلَاكِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مَوْقُوفًا وَلَا نَفَاذَ بِدُونِ الْمَحَلِّ وَكَانَ مَقْبُوضًا فِي يَدِهِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ وَفِيهِ الْقِيمَةُ وَلَوْ هَلَكَ فِي يَدِ الْبَائِعِ انْفَسَخَ الْبَيْعُ وَلَا شَيْءَ لِلْبَائِعِ عَلَى الْمُشْتَرِي كَمَا فِي الْبَيْعِ الصَّحِيحِ الْمُطْلَقِ وَلَوْ تَعَيَّبَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَلِلْبَائِعِ أَنْ يَلْزَمَ الْبَيْعَ إنْ شَاءَ وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ الْبَيْعَ وَضَمَّنَهُ النُّقْصَانَ؛ لِأَنَّ الْعَيْبَ لَا يَمْنَعُ الْفَسْخَ وَإِذَا انْفَسَخَ الْعَقْدُ كَانَ مَضْمُونًا عَلَى الْمُشْتَرِي بِالْقَبْضِ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ كَالْمَغْصُوبِ وَلَوْ تَعَيَّبَ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَهُوَ عَلَى خِيَارِهِ؛ لِأَنَّ مَا انْتَقَصَ بِغَيْرِ فِعْلِهِ لَا يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ وَلَكِنَّ الْمُشْتَرِي يَتَخَيَّرُ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَإِنْ شَاءَ فَسَخَهُ كَمَا فِي الْبَيْعِ الْمُطْلَقِ وَإِذَا كَانَ الْعَيْبُ بِفِعْلِ الْبَائِعِ يُنْتَقَضُ الْبَيْعُ فِيهِ بِقَدْرِهِ؛ لِأَنَّ مَا يَحْدُثُ بِفِعْلِهِ يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ وَتَسْقُطُ حِصَّتُهُ مِنْ الثَّمَنِ.

قَالَ (وَخِيَارُ الْمُشْتَرِي لَا يُمْنَعُ وَلَا يَمْلِكُهُ) أَيْ لَا يَمْنَعُ خُرُوجَ الْمَبِيعِ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ وَلَا يَمْلِكُهُ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ لَازِمٌ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ شُرِعَ نَظَرًا لِمَنْ لَهُ الْخِيَارُ فَيَعْمَلُ فِي حَقِّهِ دُونَ الْآخَرِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَمْلِكْهُ الْمُشْتَرِي كَيْ لَا يَجْتَمِعَ الْبَدَلُ وَالْمُبْدَلُ فِي مِلْكِ شَخْصٍ وَاحِدٍ وَهُوَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: يَمْلِكُهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ خَرَجَ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ وَلَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي لَكَانَ زَائِلًا لَا إلَى مَالِكٍ وَلَا عَهْدَ لَنَا بِهِ فِي الشَّرْعِ وَلَهُ أَنَّ الثَّمَنَ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ يَعْمَلُ فِي حَقِّ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ، وَلَوْ دَخَلَ فِي مِلْكِهِ لَدَخَلَ بِلَا عِوَضٍ وَاجْتَمَعَ فِي مِلْكِ شَخْصٍ وَاحِدٍ الْعِوَضُ وَالْمُعَوَّضُ وَلَا عَهْدَ لَنَا بِهِ فِي الشَّرْعِ وَلِأَنَّ الْخِيَارَ شُرِعَ نَظَرًا لَهُ لِيَنْظُرَ فِيهِ هَلْ هُوَ مُوَافِقٌ أَمْ لَا؟ فَلَوْ دَخَلَ فِي مِلْكِهِ يَفُوتُ ذَلِكَ فِيمَا إذَا اشْتَرَى قَرِيبَهُ؛ لِأَنَّهُ يُعْتَقُ عَلَيْهِ فَيَعُودُ عَلَى مَوْضُوعِهِ بِالنَّقْضِ وَجَازَ أَنْ يُوجَدَ خُرُوجُ مِلْكِهِ بِلَا دُخُولٍ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ كَعَبِيدِ الْكَعْبَةِ يَخْرُجُونَ عَنْ مِلْكِ مُلَّاكِهِمْ وَلَا يَدْخُلُونَ فِي مِلْكِ أَحَدٍ عِنْدَ الشِّرَاءِ لِلْكَعْبَةِ، وَكَذَا التَّرِكَةُ الْمُسْتَغْرَقَةُ بِالدَّيْنِ تَخْرُجُ عَنْ مِلْكِ الْمَيِّتِ وَلَا تَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْوَرَثَةِ وَلَا يُقَالُ عَلَى هَذَا تَكُونُ سَائِبَةً وَهِيَ مَنْهِيٌّ عَنْهَا؛ لِأَنَّا نَقُولُ: الْحَالُ مَوْقُوفٌ إنْ أُجِيزَ الْبَيْعُ يَسْتَنِدُ إلَى وَقْتِ الْعَقْدِ فَيَتَبَيَّنُ أَنَّهُ مَلَكَهُ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَلِهَذَا كَانَ لَهُ الزَّوَائِدُ وَإِنْ فَسَخَ بَانَ أَنَّهُ غَيْرُ زَائِلٍ عَنْ مِلْكِهِ فَكَيْفَ يَكُونُ مِنْ السَّائِبَةِ مَعَ وُجُودِ سَبَبِ الِانْتِقَالِ وَمَعَ تَوَقُّعِ حُكْمِهِ.

قَالَ (وَبِقَبْضِهِ يَهْلَكُ بِالثَّمَنِ كَتَعَيُّبِهِ) أَيْ بِسَبَبِ قَبْضِهِ يَضْمَنُ ثَمَنَهُ إذَا هَلَكَ كَمَا يَضْمَنُ إذَا تَعَيَّبَ وَالْمُرَادُ بِالْعَيْبِ عَيْبٌ لَا يَرْتَفِعُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

ابْنِ عُمَرَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ أَجَازَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَقَدْ مَرَّ ذَلِكَ قَبْلَ هَذَا فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَتَجَاوَزْ أَبُو يُوسُفَ حَدَّ السُّنَّةِ وَالْأَثَرِ وَأَخَذَ بِهِمَا وَفِيمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ أُخِذَ بِالْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ أَنْ لَا يَصِحَّ هَذَا الْبَيْعُ أَصْلًا كَمَا قَالَ زُفَرُ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ شَرْطٍ فِيهِ إقَالَةٌ فَاسِدَةٌ وَهِيَ إقَالَةٌ مُعَلَّقَةٌ بِالشَّرْطِ وَالْبَيْعُ بِشَرْطِ الْإِقَالَةِ الصَّحِيحَةِ بَاطِلٌ فَشَرْطُ الْإِقَالَةِ الْفَاسِدَةِ أَوْلَى. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ عَلَى يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ مَا نَصُّهُ قَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ ظَهِيرُ الدِّينِ هَهُنَا مَسْأَلَةٌ لَا بُدَّ مِنْ حِفْظِهَا وَهُوَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ يَفْسُدُ الْعَقْدُ وَلَا يَنْفَسِخُ حَتَّى لَوْ أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي وَهُوَ فِي يَدِهِ نَفَذَ عِتْقُهُ وَإِنْ كَانَ فِي يَدِ الْبَائِعِ لَا يَنْفُذُ اهـ خَبَّازِيَّةٌ.

(قَوْلُهُ: وَمَعَ مُحَمَّدٍ فِي شَرْطِ الْخِيَارِ أُخِذَ بِالنَّصِّ) أَيْ بِدَلَالَةِ النَّصِّ وَهُوَ «قَوْلُهُ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَلْأَنْصَارِيِّ إذَا بَايَعْتَ فَقُلْ لَا خِلَابَةَ وَلِيَ الْخِيَارُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ» اهـ اق وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ بِالنَّصِّ نُسْخَةً بِالْقِيَاسِ. اهـ. .

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَخِيَارُ الْبَائِعِ يَمْنَعُ إلَخْ) قَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَفِي الْمُجْتَبَى فِي الْمُحِيطِ يَخْرُجُ الثَّمَنُ عَنْ مِلْكِ الْمُشْتَرِي فِي هَذِهِ الصُّورَةِ إجْمَاعًا إلَّا أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْبَائِعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا اهـ.

(قَوْلُهُ: إذَا قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي) أَيْ وَكَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ اهـ.

(قَوْلُهُ: وَفِيهِ الْقِيمَةُ) أَيْ إذَا لَمْ يَكُنْ مِثْلِيًّا وَإِنْ كَانَ مِثْلِيًّا يَضْمَنُ قِيمَتَهُ اهـ كَيْ (قَوْلُهُ: كَمَا فِي الْبَيْعِ الصَّحِيحِ) إنَّمَا ذَكَرَ الصَّحِيحَ مَعَ أَنَّ الْحُكْمَ فِي الْفَاسِدِ كَذَلِكَ حَمْلًا لِحَالِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الصَّلَاحِ اهـ.

(قَوْلُهُ: يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِ الْمَيِّتِ) فِيهِ نَظَرٌ بَلْ هِيَ مُبْقَاةٌ عَلَى مِلْكِ الْمَيِّتِ لِحَاجَتِهِ كَذَا ذُكِرَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ اهـ.

(قَوْلُهُ: وَلِهَذَا كَانَ لَهُ الزَّوَائِدُ) أَيْ إذْ الْحُكْمُ عِنْدَ تَمَامِ السَّبَبِ يَثْبُتُ مِنْ أَوَّلِ السَّبَبِ اهـ وَكُتِبَ عَلَى قَوْلِهِ الزَّوَائِدُ مَا نَصُّهُ الْحَاصِلَةُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ، وَأَمَّا الْكَسْبُ فَيَتَصَدَّقُ بِهِ وَيُنْظَرُ فِي آخِرِ غَصْبٍ فَتَاوَى الْوَلْوَالِجِيِّ. اهـ. (فَرْعٌ) الْوَلَدُ وَالْعَقْرُ وَالثَّمَرَةُ وَاللَّبَنُ يَمْنَعُ الرَّدَّ بِالْإِجْمَاعِ وَغَيْرُ الْمُتَوَلِّدَةِ كَالْكَسْبِ وَالْغَلَّةِ لَا يُمْنَعُ بِالْإِجْمَاعِ فَإِنْ أَجَازَ الْبَيْعَ فَالْغَلَّةُ وَالْكَسْبُ لِلْمُشْتَرِي وَإِنْ فُسِخَ فَكَذَلِكَ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِلْبَائِعِ اهـ عِمَادِيٌّ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَبِقَبْضِهِ) أَيْ قَبَضَ الْمُشْتَرِي فِيمَا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لَهُ. اهـ. .

<<  <  ج: ص:  >  >>