للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دَفْعِهِ عَنْ نَفْسِهِ فَلَوْ بَطَلَ هَذَا بِإِبْطَالِ الْآخَرِ خِيَارَهُ لَمْ يَحْصُلْ مَقْصُودُهُ وَيَلْحَقُهُ بِهِ ضَرَرٌ وَلَهُ أَنَّ الْمَشْرُوطَ خِيَارُهُمَا لَا خِيَارُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى انْفِرَادِهِ فَلَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِالرَّدِّ وَلِأَنَّ حَقَّ الرَّدِّ ثَبَتَ لَهُمَا عَلَى وَجْهٍ لَا يَتَضَرَّرُ بِهِ الْبَائِعُ وَفِي رَدِّ أَحَدِهِمَا نَصِيبَهُ إضْرَارٌ بِالْبَائِعِ إذْ الْمَبِيعُ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ غَيْرَ مُتَعَيَّبٍ بِعَيْبِ الشَّرِكَةِ فَلَوْ رَدَّهُ أَحَدُهُمَا لَرَدَّهُ مَعِيبًا بِهَا إذْ هِيَ عَيْبٌ فِي الْأَعْيَانِ لِكَوْنِهِ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ إلَّا بِطَرِيقِ الْمُهَايَأَةِ وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ إثْبَاتِ الْخِيَارِ لَهُمَا الرِّضَا بِرَدِّ أَحَدِهِمَا لِتَصَوُّرِ اجْتِمَاعِهِمَا عَلَى الرَّدِّ وَقَوْلُهُ يَلْحَقُهُ بِهِ ضَرَرٌ قُلْنَا هَذَا الضَّرَرُ يَلْحَقُهُ مِنْ جِهَةِ نَفْسِهِ لِعَجْزِهِ عَنْ إيجَادِ شَرْطِ الرَّدِّ وَهُوَ مُسَاعَدَةُ صَاحِبِهِ إيَّاهُ عَلَى الرَّدِّ وَالْبَائِعُ يَتَضَرَّرُ بِتَصَرُّفِ الرَّادِّ فَكَانَتْ رِعَايَةُ جَانِبِ الْبَائِعِ أَوْلَى وَلَا يُقَالُ الْبَائِعُ رَضِيَ بِالتَّبْعِيضِ بِالْبَيْعِ لَهُمَا؛ لِأَنَّا نَقُولُ رَضِيَ بِالتَّبْعِيضِ فِي مِلْكِهِمَا لَا فِي مِلْكِ نَفْسِهِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا بِهِ فِي مِلْكِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَوْ زَوَّجَ الْأَمَةَ الْمُشْتَرَاةَ ثُمَّ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا عَلَى الْبَائِعِ لِحُدُوثِ الْعَيْبِ عِنْدَهُ وَهُوَ التَّزْوِيجُ، وَإِنْ حَصَلَ بِتَسْلِيطِهِ وَرِضَاهُ لِمَا قُلْنَا فَإِنْ قِيلَ هَذَا الْعَيْبُ حَدَثَ عِنْدَ الْبَائِعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَالْعَيْبُ الْحَادِثُ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَمْنَعُ الرَّدَّ قُلْنَا: هَذَا عَيْبٌ حَدَثَ بِفِعْلِ الْمُشْتَرِي وَهُوَ يَمْنَعُ الرَّدَّ، وَإِنْ حَدَثَ فِي يَدِ الْبَائِعِ.

قَالَ (وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ خَبَّازٌ أَوْ كَاتِبٌ وَكَانَ بِخِلَافِهِ أَخَذَهُ بِكُلِّ الثَّمَنِ أَوْ تَرَكَهُ)؛ لِأَنَّ هَذَا وَصْفٌ مَرْغُوبٌ فِيهِ فَيُسْتَحَقُّ بِالشَّرْطِ فِي الْعَقْدِ ثُمَّ فَوَاتُهُ يُوجِبُ التَّخْيِيرَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِهِ دُونَهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ بَاعَ شَاةً عَلَى أَنَّهَا حَامِلٌ أَوْ تَحْلُبُ كَذَا، وَكَذَا أَرْطَالًا حَيْثُ يَفْسُدُ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ الْوَصْفِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ قَبِيلِ الشَّرْطِ الْفَاسِدِ إذْ لَا يُعْرَفُ ذَلِكَ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَبَنٌ أَوْ حَمْلٌ أَوْ انْتِفَاخٌ حَتَّى لَوْ شَرَطَ أَنَّهَا حَلُوبٌ أَوْ لَبُونٌ لَا يَفْسُدُ؛ لِأَنَّهُ وَصْفٌ وَلَوْ قَالَ يَخْبِزُ كَذَا صَاعًا أَوْ يَكْتُبُ كَذَا قَدْرًا يَفْسُدُ لِمَا ذَكَرْنَا وَشَرْطُهُ أَنْ يَقْدِرَ عَلَى الْكِتَابَةِ وَالْخَبَرِ قَدْرُ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْكَاتِبِ وَالْخَبَّازِ، وَإِنْ كَانَ لَا يُحْسِنُ ذَلِكَ قَدْرَ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ فَلَهُ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ لِمَا قُلْنَا، وَإِنْ قَالَ الْبَائِعُ عِنْدَ الرَّدِّ كَانَ يُحْسِنُ ذَلِكَ لَكِنَّهُ نَسِيَ عِنْدَك فَالْقَوْلُ قَوْلُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: أَوْ كَاتِبٌ) أَيْ حِرْفَتُهُ ذَلِكَ. اهـ. فَتْحٌ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَخَذَهُ بِالثَّمَنِ أَوْ تَرَكَهُ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو نَصْرٍ: وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ مَنْ شَرَطَ صِفَةً فَوَجَدَ الْمَبِيعَ بِخِلَافِهَا وَتِلْكَ الصِّفَةُ مِمَّا يَتَفَاوَتُ فِيهَا الْأَغْرَاضُ تَفَاوُتًا كَثِيرًا فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ بِالْخِيَارِ مِثْلُ أَنْ يَشْتَرِيَ حِمَارًا عَلَى أَنَّهُ أَتَانٌ فَإِذَا هُوَ ذَكَرٌ أَوْ شَاةٌ عَلَى أَنَّهَا نَعْجَةٌ فَإِذَا هِيَ فَحْلٌ وَمَسَائِلُ الْكِتَابِ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ وَجَدَ الْمَبِيعَ عَلَى خِلَافِ الصِّفَةِ الَّتِي شَرَطَهَا وَلَهُ فِي الصِّفَةِ غَرَضٌ فَإِذَا فَاتَهُ ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ كَمَا لَوْ وَجَدَ بِالْمَبِيعِ عَيْبًا، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الصِّفَةُ تَتَفَاوَتُ فِيهَا الْأَغْرَاضُ تَفَاوُتًا كَثِيرًا فَالْعَقْدُ فَاسِدٌ وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَبِيعَهُ دَارًا عَلَى أَنَّ بِنَاءَهَا آجُرٌّ فَإِذَا هُوَ لَبِنٌ أَوْ بَاعَهُ شَخْصًا عَلَى أَنَّهُ جَارِيَةٌ فَإِذَا هُوَ عَبْدٌ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ اخْتِلَافٌ كَثِيرٌ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الِاخْتِلَافِ فِي الْجِنْسِ، وَأَمَّا إذَا شَرَطَ صِفَةً فَوَجَدَهَا زَائِدَةً فَهِيَ لِلْمُشْتَرِي مِثْلُ أَنْ يَشْتَرِيَ ثَوْبًا عَلَى أَنَّهُ عَشَرَةُ أَذْرُعٍ فَوَجَدَهُ أَحَدَ عَشَرَ ذِرَاعًا وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً عَلَى أَنَّهَا ثَيِّبٌ فَإِذَا هِيَ بِكْرٌ فَتَكُونُ الصِّفَةُ الزَّائِدَةُ لِلْمُشْتَرِي وَلَا خِيَارَ كَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ مَعِيبٌ فَوَجَدَهُ صَحِيحًا اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْكَمَالُ وَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ كَمَا شَرَطَ وَامْتَنَعَ الرَّدُّ بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ وَرَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ بِأَنْ يُقَوَّمَ الْعَبْدُ كَاتِبًا وَغَيْرَ كَاتِبٍ فَيَرْجِعُ بِالتَّفَاوُتِ اهـ وَكَتَبَ أَيْضًا مَا نَصُّهُ، وَإِنَّمَا لَمْ يَفْسُدْ الْعَقْدُ بِهَذَا الشَّرْطِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْعَقْدِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَصْفَ الَّذِي شَرَطَهُ لَوْ كَانَ مَوْجُودًا فِي الْمَبِيعِ لَدَخَلَ فِي الْعَقْدِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ وَمَا هَذَا سَبِيلُهُ كَانَ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْعَقْدِ كَمَا إذَا اشْتَرَى عَلَى أَنْ يَتَمَلَّكَ الْمَبِيعَ أَوْ عَلَى أَنْ يُسَلِّمَهُ الْبَائِعُ إلَى الْمُشْتَرِي. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

(قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا لَوْ بَاعَ شَاةً) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: بِخِلَافِ مَا لَوْ اشْتَرَى نَاقَةً عَلَى أَنَّهَا حَامِلٌ حَيْثُ يَكُونُ الْبَيْعُ فَاسِدًا عَلَى رِوَايَةِ كِتَابِ الْبُيُوعِ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ لَا يُعْرَفُ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّ انْتِفَاخَ الْبَطْنِ وَتَحَرُّكَ مَا فِيهِ قَدْ يَكُونُ لِدَاءٍ فَكَانَ غَرَرًا فَأَوْجَبَ فَسَادَ الْبَيْعِ وَمَا نَحْنُ فِيهِ يُمْكِنُ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ لِلْحَالِ فَلَمْ يَكُنْ غَرَرًا وَلِأَنَّ مَا نَحْنُ فِيهِ صِفَةٌ مَحْضَةٌ لَا يُتَصَوَّرُ انْقِلَابُهَا أَصْلًا وَهُنَالِكَ الْمَقْصُودُ الْوَلَدُ بَعْدَ الْوِلَادَةِ وَهُوَ مَجْهُولٌ وَاشْتِرَاطُ مَالٍ مَجْهُولٍ مَعَ الْمَبِيعِ مُفْسِدٌ لِلْبَيْعِ وَرَوَى الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ ذَلِكَ الْبَيْعَ أَيْضًا جَائِزٌ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْفَرْقِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْجَوَابِ كَذَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْمُعِينِ النَّسَفِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ ثُمَّ قَالَ وَلَا رِوَايَةَ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ اشْتِرَاطَ الْحَبَلِ فِي الْجَوَارِي هَلْ يُوجِبُ فَسَادَ الْعَقْدِ أَمْ لَا اخْتَلَفَ مَشَايِخُنَا فِيهِ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ يُوجِبُ قِيَاسًا عَلَى النَّاقَةِ لِلْمَعْنَيَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ ثَمَّةَ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا يُوجِبُ؛ لِأَنَّ الْحَبَلَ فِي الْجَوَارِي عَيْبٌ فَكَانَ ذِكْرُهُ لِلْبَرَاءَةِ عَنْ هَذَا الْعَيْبِ بِخِلَافِ الْحَبَلِ فِي الْبَهَائِمِ فَإِنَّهُ زِيَادَةٌ وَهِيَ مَجْهُولَةٌ وَفِي وُجُودِهَا غَرَرٌ فَلَا يَجُوزُ وَمِنْهُمْ مَنْ فَصَّلَ، وَقَالَ إنْ اشْتَرَاهَا لِيَتَّخِذَهَا ظِئْرًا فَشَرَطَ أَنَّهَا حَامِلٌ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ يَطْلُبُ زِيَادَةً وَهِيَ مَجْهُولَةٌ وَفِي وُجُودِهَا خَطَرٌ فَصَارَتْ كَالنَّاقَةِ وَإِنْ كَانَ لَا يُرِيدُ اتِّخَاذَهَا ظِئْرًا كَانَ جَائِزًا لِمَا مَرَّ أَنَّهُ اشْتَرَطَ الْبَرَاءَةَ عَنْ هَذَا الْعَيْبِ اهـ.

(قَوْلُهُ: حَتَّى لَوْ شَرَطَ أَنَّهَا حَلُوبٌ أَوْ لَبُونٌ لَا يَفْسُدُ) أَيْ كَمَا إذَا شَرَطَ فِي الْفَرَسِ أَنَّهَا هِمْلَاجٌ وَفِي الْكَلْبِ أَنَّهُ صَائِدٌ حَيْثُ يَصِحُّ وَمِنْهُ شَرْطُ كَوْنِهِ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى وَشَرْطُ كَوْنِ الثَّمَنِ مَكْفُولًا بِهِ. اهـ. فَتْحٌ.

(قَوْلُهُ: فَلَهُ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ) أَيْ وَلَوْ مَاتَ هَذَا الْمُشْتَرِي انْتَقَلَ الْخِيَارُ إلَى وَرَثَتِهِ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ فِي ضِمْنِ تَمَلُّكِ الْعَيْنِ. اهـ. فَتْحٌ.

(قَوْلُهُ: لَكِنَّهُ نَسِيَ عِنْدَك) أَيْ وَالْمُدَّةُ تَحْتَمِلُ أَنَّهُ يَنْسَى فِي مِثْلِهَا. اهـ. فَتْحٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>