للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالِاسْتِيلَادِ لَا يَمْنَعُ مِنْ الرُّجُوعِ بِالنُّقْصَانِ، وَإِنْ أَكَلَ بَعْضَ الطَّعَامِ فَكَذَا الْجَوَابُ عِنْدَهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ الْبَاقِيَ وَلَا أَنْ يَرْجِعَ بِنُقْصَانِهِ؛ لِأَنَّهُ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ فَلَا يُرَدُّ بَعْضُهُ دُونَ بَعْضٍ كَمَا إذَا بَاعَ الْبَعْضَ وَعِنْدَهُمَا يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ فِي الْكُلِّ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ الْبَاقِيَ؛ لِأَنَّ الطَّعَامَ كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ فَيَتَعَيَّبُ بِالتَّبْعِيضِ وَأَكْلُ الْكُلِّ لَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ فَالْبَعْضُ أَوْلَى وَعَنْهُمَا أَنَّهُ يَرُدُّ الْبَاقِيَ وَيَرْجِعُ بِنُقْصَانِ مَا أَكَلَ؛ لِأَنَّ التَّبْعِيضَ لَا يَضُرُّهُ، وَإِنْ بَاعَ بَعْضَهُ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ لَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ لَا فِي الْمُزَالِ عَنْ مِلْكِهِ وَلَا فِي الْبَاقِي؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَ الرَّدِّ بِفِعْلِهِ وَهُوَ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ وَعِنْدَ زُفَرَ يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْبَاقِي.

قَالَ (وَلَوْ اشْتَرَى بَيْضًا أَوْ قِثَّاءً أَوْ جَوْزًا وَوَجَدَهُ فَاسِدًا يُنْتَفَعُ بِهِ رَجَعَ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ)؛ لِأَنَّ الْكَسْرَ عَيْبٌ حَادِثٌ إلَّا إذَا رَضِيَ بِهِ الْبَائِعُ؛ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ حَقَّهُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا كُسِرَ مِنْهُ مِقْدَارُ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ لِلْعِلْمِ بِالْعَيْبِ يَرُدُّهُ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ سَلَّطَهُ عَلَيْهِ فَكَأَنَّهُ فَعَلَهُ بِنَفْسِهِ قُلْنَا: رَضِيَ بِكَسْرِهِ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي لَا فِي مِلْكِ نَفْسِهِ فَيَجِبُ رِعَايَةُ حَقِّهِمَا بِالرُّجُوعِ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ فَصَارَ كَمَا لَوْ بَاعَ ثَوْبًا فَقَطَعَهُ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ وَلَوْ عَلِمَ بِصِفَتِهِ قَبْلَ الْكَسْرِ رَدَّهُ لِإِمْكَانِهِ قَالَ (وَإِلَّا بِكُلِّ الثَّمَنِ) أَيْ إنْ لَمْ يَنْتَفِعْ بِهِ رَجَعَ بِكُلِّ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ فَكَانَ الْبَيْعُ بَاطِلًا قَالُوا هَذَا يَسْتَقِيمُ فِي الْبَيْضِ؛ لِأَنَّهُ لَا قِيمَةَ لِقِشْرِهِ، وَكَذَا فِي الْجَوْزِ إذَا لَمْ يَكُنْ لِقِشْرِهِ قِيمَةٌ، وَأَمَّا إذَا كَانَ لِقِشْرِهِ قِيمَةٌ بِأَنْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ يُوقَدُ فِيهِ قِشْرُهُ كَمَا فِي مَوَاضِعِ الزِّجَاجَيْنِ فَقِيلَ يَرْجِعُ بِحِصَّةِ اللُّبِّ وَيَصِحُّ الْبَيْعُ فِي الْقِشْرِ بِحِصَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ فَصَارَ مَحَلًّا لِلْبَيْعِ وَقِيلَ يَرُدُّ الْقِشْرَ وَيَرْجِعُ بِكُلِّ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ مَالِيَّةَ الْجَوْزِ بِاعْتِبَارِ اللُّبِّ دُونَ الْقِشْرِ.

فَإِذَا لَمْ يَنْتَفِعْ بِلُبِّهِ فَاتَ مَحَلُّ الْبَيْعِ فَكَانَ بَاطِلًا، وَإِنْ كَانَ لِقِشْرِهِ قِيمَةٌ هَذَا إذَا ذَاقَهُ فَتَرَكَهُ فَإِنْ تَنَاوَلَ مِنْهُ شَيْئًا بَعْدَمَا ذَاقَهُ فَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ صَارَ بِهِ آكِلًا لِلْبَعْضِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَا فِي الطَّعَامِ هَذَا إذَا كَسَرَهُ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ بِهِ وَلَوْ كَسَرَهُ بَعْدَ الْعِلْمِ بِهِ لَا يَرُدُّهُ وَلَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ؛ لِأَنَّ كَسْرَهُ بَعْدَ الْعِلْمِ بِهِ دَلِيلُ الرِّضَا وَقَالُوا هَذَا إذَا وَجَدَهُ خَاوِيًا، وَإِنْ كَانَ فِيهِ قَلِيلُ لُبِّ شَيْءٍ يَأْكُلُهُ بَعْضُ الْفُقَرَاءِ أَوْ يَصْلُحُ لِلْعَلَفِ فَهُوَ مِنْ قِبَلِ الْعَيْبِ وَحُكْمُهُ مَا ذَكَرْنَاهُ وَقَالُوا فِي بَيْضِ النَّعَامَةِ إذَا وَجَدَهُ فَاسِدًا بَعْدَ الْكَسْرِ يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ؛ لِأَنَّ مَالِيَّتَهُ بِاعْتِبَارِ الْقِشْرِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِمَّا ذَكَرْنَا، وَإِنْ وَجَدَ الْبَعْضَ فَاسِدًا وَهُوَ قَلِيلٌ جَازَ الْبَيْعُ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ الْقَلِيلِ مِنْ الْفَاسِدِ عَادَةً فَلَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ وَذَلِكَ مِثْلُ الْوَاحِدِ أَوْ الِاثْنَيْنِ مِنْ كُلِّ مِائَةٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ الْبَائِعَ بِسَبَبِهِ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ اخْتَلَفُوا فِيهِ فَقِيلَ بَاطِلٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ بِحِصَّةِ الصَّحِيحِ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ فَصَّلَ ثَمَنَهُ؛ لِأَنَّهُ يَنْقَسِمُ ثَمَنُهُ عَلَى أَجْزَائِهِ كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ لَا عَلَى قِيمَتِهِ وَقَبْلَ الْعَقْدِ لَا يَجُوزُ عِنْدَ الْكُلِّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُفَصِّلْ الثَّمَنَ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِمَا عُرِفَ مِنْ قَوَاعِدِهِمْ.

قَالَ (وَلَوْ بَاعَ الْمَبِيعَ فَرُدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ بِقَضَاءٍ يَرُدُّهُ عَلَى بَائِعِهِ وَلَوْ بِرِضَا لَا) أَيْ لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا ثُمَّ بَاعَهُ فَرُدَّ عَلَيْهِ بِالْعَيْبِ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى بَائِعِهِ إنْ كَانَ رُدَّ عَلَيْهِ بِقَضَاءٍ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ بِالْقَضَاءِ فَسْخٌ فِي حَقِّ الْكُلِّ فَيَكُونُ كَأَنَّهُ لَمْ يَبِعْهُ، وَإِنْ كَانَ الرَّدُّ بِالتَّرَاضِي مِنْ غَيْرِ قَضَاءِ الْقَاضِي لَا يَرُدُّهُ عَلَى بَائِعِهِ وَقِيلَ فِي عَيْبٍ لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ كَالْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ يَرُدُّهُ لِلتَّيَقُّنِ بِهِ عِنْدَ الْبَيْعِ الْأَوَّلِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ فِي الْكُلِّ؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ بِالتَّرَاضِي بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا إذْ لَا وِلَايَةَ لَهُمَا عَلَى غَيْرِهِمَا

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ: فَكَذَا الْجَوَابُ عِنْدَهُ) أَيْ لَا يَرْجِعُ عِنْدَهُ كَمَا لَوْ أَكَلَهُ كُلَّهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ فَلَا يُرَدُّ بَعْضُهُ) أَيْ كَالْعَبْدِ الْوَاحِدِ تَعَذَّرَ الرَّدُّ فِي بَعْضِهِ بِمَعْنًى مِنْ قِبَلِهِ مُبْطِلُ الْحَقِّ فِي الْكُلِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَعِنْدَ زُفَرَ يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْبَاقِي إلَّا أَنْ يَرْضَى الْبَائِعُ أَنْ يَأْخُذَ الْبَاقِي بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ. اهـ. غَايَةٌ.

(قَوْلُهُ: إنْ لَمْ يَنْتَفِعْ بِهِ) أَيْ كَالْقَرْعِ الْمَرِّ وَالْبَيْضِ الْمَذِرِ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ يَرُدُّ الْقِشْرَ وَيَرْجِعُ بِكُلِّ الثَّمَنِ) هُوَ اخْتِيَارُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ اهـ.

(قَوْلُهُ: هَذَا إذَا كَسَرَهُ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ بِهِ) لَا يَظْهَرُ وَجْهُ هَذَا التَّفْصِيلِ بَعْدَمَا قُرِّرَ أَنَّ الْبَيْعَ بَاطِلٌ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ التَّفْصِيلَ فِيمَا إذَا وَجَدَهُ مَعِيبًا يَنْتَفِعُ بِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَذْكُرَ هُنَاكَ اهـ قَارِئُ الْهِدَايَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ الْقَلِيلِ مِنْ الْفَاسِدِ) أَيْ فَصَارَ كَقَلِيلِ التُّرَابِ فِي الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ فَلَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ أَصْلًا وَفِي الْقِيَاسِ يَفْسُدُ وَهُوَ ظَاهِرٌ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: فَقِيلَ بَاطِلٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) أَيْ كَمَا لَوْ جَمَعَ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ. اهـ.

(قَوْلُهُ: لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى بَائِعِهِ) قَالَ الْكَمَالُ يَعْنِي لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ الْأَوَّلَ وَيَفْعَلَ مَا يُحِبُّ مَعَهُ إلَى أَنْ يَرُدَّهُ عَلَيْهِ وَقَيَّدَهُ فِي الْمَبْسُوطِ بِمَا إذَا ادَّعَى الْمُشْتَرِي الثَّانِي الْعَيْبَ عِنْدَ الْبَائِعِ الْأَوَّلِ أَمَّا إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الْعَيْبَ كَانَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْجَامِعِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ فِي إقْرَارِ الْأَصْلِ فَقَالَ لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ أَنْ يُخَاصِمَ مَعَ بَائِعِهِ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ الْأَوَّلَ لَمْ يَصِرْ مُكَذِّبًا فِيمَا أَقَرَّ بِهِ وَلَمْ يُوجَدْ هُنَا قَضَاءٌ عَلَى خِلَافِ مَا أَقَرَّ بِهِ فَبَقِيَ إقْرَارُهُ بِكَوْنِ الْجَارِيَةِ سَلِيمَةً فَلَا يَثْبُتُ لَهُ وِلَايَةُ الرَّدِّ. اهـ. فَتْحُ الْقَدِيرِ.

(قَوْلُهُ: لَا يَرُدُّهُ عَلَى بَائِعِهِ) أَيْ وَإِنْ ثَبَتَ أَنَّ الْعَيْبَ كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ الْأَوَّلِ. اهـ. وَلْوَالِجِيٌّ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْفَسْخَ بِالتَّرَاضِي بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا) أَيْ وَالْبَائِعُ الْأَوَّلُ ثَالِثُهُمَا كَانَ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ اشْتَرَاهُ مِنْ الْمُشْتَرِي الثَّانِي وَلَوْ اشْتَرَاهُ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ مِنْ الْمُشْتَرِي الثَّانِي لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى الْأَوَّلِ فَلَا خُصُومَةَ فَكَذَا هَذَا، وَلِهَذَا لَوْ كَانَ عَلَى الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ فِي الدَّارِ شُفْعَةٌ فَأَسْقَطَ الشَّفِيعُ حَقَّهُ فِيمَا بَاعَهُ ثُمَّ رُدَّ بِعَيْبٍ بِالتَّرَاضِي تَجَدَّدَ لِلشَّفِيعِ حَقُّ الشُّفْعَةِ كَأَنَّ الْمُشْتَرِيَ الْأَوَّلَ اشْتَرَى ثَانِيًا مَا بَاعَ فَلَا يَجُوزُ لَهُ حَقُّ الْخُصُومَةِ فِي الرَّدِّ وَلَا فِي الرُّجُوعِ بِالنُّقْصَانِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُرَدُّ إذَا قَبِلَهُ بِلَا قَضَاءٍ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ عِنْدَهُ يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ أَصْلِهِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فَلَمْ يَتَفَاوَتْ الرَّدُّ بِالرِّضَا وَالْقَضَاءِ. اهـ. فَتْحٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>