الْمِلْكَ فِيهِ فَإِنَّ الِاخْتِيَارَ هُنَاكَ شُرِعَ لِلِاخْتِبَارِ وَاللُّبْسِ وَالرُّكُوبُ مَرَّةً يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِلِاخْتِبَارِ فَلَوْ جُعِلَ اخْتِيَارًا لِلْإِجَازَةِ لَفَاتَ فَائِدَةُ خِيَارِ الشَّرْطِ، وَأَمَّا خِيَارُ الْعَيْبِ فَلَمْ يُشْرَعْ لِلِاخْتِبَارِ، وَإِنَّمَا شُرِعَ لِلرَّدِّ لِيَصِلَ إلَى رَأْسِ مَالِهِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْوُصُولِ إلَى الْجُزْءِ الْفَائِتِ فَإِذَا تَصَرَّفَ فِيهِ تَصَرُّفًا لَا يَحِلُّ بِلَا مِلْكٍ جَعَلَ مُمْسِكًا لِوُجُودِ دَلِيلِ الْإِمْسَاكِ وَالرِّضَا قَالَ (لَا الرُّكُوبُ لِلسَّقْيِ أَوْ لِلرَّدِّ أَوْ لِشِرَاءِ الْعَلَفِ) أَيْ لَا يَكُونُ الرُّكُوبُ لِسَقْيِهَا الْمَاءَ أَوْ لِيَرُدَّهَا عَلَى الْبَائِعِ أَوْ لِيَشْتَرِيَ لَهَا الْعَلَفَ رِضًا بِالْعَيْبِ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ؛ لِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ وَقَدْ لَا تَنْقَادُ وَلَا تَنْسَاقُ فَلَا يَكُونُ دَلِيلُ الرِّضَا إلَّا إذَا رَكِبَهَا فِي حَاجَةِ نَفْسِهِ وَقِيلَ تَأْوِيلُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ بُدٌّ مِنْ الرُّكُوبِ بِأَنْ كَانَ الْعَلَفُ فِي عَدْلٍ وَاحِدٍ أَوْ لَا تَنْسَاقُ وَلَا تَنْقَادُ وَقِيلَ الرُّكُوبُ لِلرَّدِّ لَا يَكُونُ رِضًا كَيْفَمَا كَانَ؛ لِأَنَّهُ سَبَبُ الرَّدِّ وَلِغَيْرِهِ يَكُونُ رِضًا إلَّا عَنْ ضَرُورَةٍ.
قَالَ (وَلَوْ قَطَعَ الْمَقْبُوضَ بِسَبَبٍ عِنْدَ الْبَائِعِ رَدَّهُ وَاسْتَرَدَّ الثَّمَنَ) مَعْنَاهُ لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا قَدْ سَرَقَ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهَا فَقَطَعَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ وَيَأْخُذَ الثَّمَنَ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ لِحُدُوثِ الْعَيْبِ عِنْدَهُ وَهُوَ الْقَطْعُ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ قُطِعَ بِسَبَبٍ كَانَ عِنْدَهُ لَكِنَّ الْقَطْعَ غَيْرُ الْوُجُوبِ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ عَيْبٍ حَادِثٍ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَتَعَذَّرَ الرَّدُّ وَتَعَيَّنَ الرُّجُوعُ بِالنُّقْصَانِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً حُبْلَى فَمَاتَتْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي بِالْوِلَادَةِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ فَكَذَا هَذَا، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَوْجُودَ فِي يَدِ الْبَائِعِ سَبَبُ الْقَطْعِ وَأَنَّهُ لَا يُنَافِي الْمَالِيَّةَ فَيَنْفُذُ الْبَيْعُ فِيهِ لَكِنَّهُ مُتَعَيَّبٌ وَقَدْ حَدَثَ فِيهِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي عَيْبٌ فَيَرْجِعُ بِنُقْصَانِهِ وَهُوَ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ سَارِقًا إلَى غَيْرِ سَارِقٍ بِأَنْ يُقَوَّمَ سَارِقًا وَغَيْرَ سَارِقٍ فَيَرْجِعُ بِفَضْلِ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ الثَّمَنِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا قَتَلَ بِسَبَبٍ كَأَنْ وُجِدَ فِي يَدِ الْبَائِعِ مِنْ قَتْلِ نَفْسٍ أَوْ قَطْعِ طَرِيقٍ أَوْ رِدَّةٍ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهُ لَا يُنَافِي الْمَالِيَّةَ، وَلِهَذَا يَقَعُ الْبَيْعُ صَحِيحًا وَلَوْ مَاتَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي يَتَقَرَّرُ الثَّمَنُ عَلَيْهِ وَلَوْ تَصَرَّفَ فِيهِ نَفَذَ تَصَرُّفُهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ سَبَبَ الْوُجُوبِ وُجِدَ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَالْوُجُوبُ يُفْضِي إلَى الْوُجُودِ فَيَكُونُ الْوُجُودُ مُضَافًا إلَى السَّبَبِ السَّابِقِ فَصَارَ كَمَا إذَا قُتِلَ الْمَغْصُوبُ بَعْدَ الرَّدِّ بِجِنَايَةٍ وُجِدَتْ فِي يَدِ الْغَاصِبِ.
وَرَوَى ابْنُ الْمَنْذُورِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً حُبْلَى فَوَلَدَتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَمَاتَتْ مِنْ الْوِلَادَةِ يَرْجِعُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَلَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا فَلَنَا أَنْ نَمْنَعَ وَلَئِنْ سَلِمَ فَالسَّبَبُ الَّذِي كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ يُوجِبُ انْفِصَالَ الْوَلَدِ لَا مَوْتَ الْأُمِّ إذْ الْغَالِبُ فِي الْوِلَادَةِ السَّلَامَةُ، وَلَوْ مَاتَ بِسَبَبِ الْقَطْعِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي يَرْجِعُ بِنِصْفِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الْيَدَ مِنْ الْآدَمِيِّ نِصْفُهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ مَنْ بَدَّلَهُ بِحِسَابِهِ؛ لِأَنَّهَا هِيَ الْمُسْتَحَقَّةُ بِالسَّرِقَةِ وَالنَّفْسُ غَيْرُ مُسْتَحَقَّةٍ فِي يَدِ الْبَائِعِ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا تُحْسَمُ وَلَا تُقْطَعُ فِي الْبَرْدِ الشَّدِيدِ وَلَا فِي الْحَرِّ الشَّدِيدِ تَوَقِّيًا عَنْ الْهَلَاكِ فَقَبْضُ الْمُشْتَرِي لَا يُنْتَقَضُ فِي النِّصْفِ، وَإِنْ سَرَى إلَى النَّفْسِ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَتَلَ عَبْدَهُ بِسَبَبٍ يُوجِبُ الْقَتْلَ عِنْدَ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ النَّفْسَ صَارَتْ مُسْتَحَقَّةً فِي يَدِ الْبَائِعِ فَيُنْتَقَضُ بِهِ قَبْضُ الْمُشْتَرِي وَيَرْجِعُ بِالثَّمَنِ وَلَوْ اخْتَارَ الْمُشْتَرِي أَنْ يُمْسِكَ الْعَبْدَ رَجَعَ بِنِصْفِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ بِسَبَبٍ كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ كَالِاسْتِحْقَاقِ فَلَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ بِالثَّمَنِ عِنْدَ اخْتِيَارِ الْأَخْذِ بِخِلَافِ الْعَيْبِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ وَلَوْ مَاتَ بَعْدَ الْقَطْعِ حَتْفَ أَنْفِهِ يَجِبُ أَنْ يَرْجِعَ بِنِصْفِ الثَّمَنِ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ كَالِاسْتِحْقَاقِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَلَوْ سَرَقَ عِنْدَ الْبَائِعِ ثُمَّ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَقُطِعَ بِهِمَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ عِنْدَهُمَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي بَيَّنَّا وَعِنْدَهُ لَا يَرُدُّهُ بِغَيْرِ رِضَا الْبَائِعِ لِلْعَيْبِ الْحَادِثِ عِنْدَهُ وَلَكِنْ يَرْجِعُ بِرُبْعِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الْيَدَ قُطِعَتْ بِهِمَا فَيَرْجِعُ بِقَدْرِ مَا فَاتَ بِسَبَبِ مَا كَانَ فِي يَدِ الْبَائِعِ.
وَإِنْ رَضِيَ الْبَائِعُ بِأَخْذِهِ يَرْجِعُ بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ الثَّمَنِ وَيَسْقُطُ الرُّبْعُ؛ لِأَنَّهُ فَاتَ بِسَبَبٍ كَانَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى أَحَدٍ وَلَوْ تَدَاوَلَتْهُ الْأَيْدِي فَقُطِعَ عِنْدَ الْأَخِيرِ أَوْ قُتِلَ يَرْجِعُ الْبَاعَةُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَرْجِعُ الْأَخِيرُ عَلَى بَائِعِهِ بِالنُّقْصَانِ ثُمَّ هُوَ لَا يَرْجِعُ عَلَى بَائِعِهِ وَأَصْلُ الْخِلَافِ أَنَّ الْقَطْعَ أَوْ الْقَتْلَ بِسَبَبٍ كَانَ فِي يَدِ الْبَائِعِ اسْتِحْقَاقٌ عِنْدَهُ وَفِيهِ يَرْجِعُ الْبَاعَةُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ حَتَّى يَنْتَهِيَ إلَى الْأَوَّلِ وَعِنْدَهُمَا عَيْبٌ فَيَرْجِعُ مَنْ لَمْ يُفَوِّتْ الرَّدَّ بِالْبَيْعِ وَهُوَ الْأَخِيرُ عَلَى بَائِعِهِ ثُمَّ هُوَ لَا يَرْجِعُ عَلَى بَائِعِهِ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَ الرَّدَّ بِالْبَيْعِ قَبْلَ امْتِنَاعِ الرَّدِّ بِرِضَاهُ وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي هَذَا وَفِيمَا إذَا اشْتَرَاهُ وَهُوَ عَالِمٌ بِوُجُوبِ الْقَتْلِ أَوْ الْقَطْعِ فَإِنَّهُ لَا يَبْطُلُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: أَوْ لِشِرَاءِ الْعَلَفِ) الْأَلِفُ وَاللَّامُ بَدَلٌ عَنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ أَيْ لِشِرَاءِ عَلَفِهَا أَمَّا الرُّكُوبُ لِشِرَاءِ عَلَفِ غَيْرِهَا لَا يَكُونُ رِضًا اهـ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَاسْتَرَدَّ الثَّمَنَ) أَيْ وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهُ وَرَجَعَ بِنُقْصَانِ الثَّمَنِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الشَّرْحِ وَكَانَ ذِكْرُهُ هُنَا أَوْلَى اهـ.
(قَوْلُهُ: مَعْنَاهُ لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا قَدْ سَرَقَ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهَا) هَذَا يَسْتَقِيمُ عَلَى قَوْلِهِمَا لَمَّا أَنَّهُ عِنْدَهُمَا يَجْرِي مَجْرَى الْعَيْبِ فَإِذَا كَانَ عَالِمًا لَا يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِشَيْءٍ وَقَدْ قِيلَ إنَّهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ مُبَاحَ الدَّمِ أَوْ كَوْنَهُ مُسْتَحَقَّ الْقَطْعِ عَيْبٌ لَا مَحَالَةَ لَكِنَّهُ أُجْرِيَ مَجْرَى الِاسْتِحْقَاقِ وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الِاسْتِحْقَاقِ وَالْعَيْبِ وَالْعِلْمُ بِالْعَيْبِ وَقْتَ الشِّرَاءِ أَوْ وَقْتَ الْقَبْضِ يَمْنَعُ الرُّجُوعَ، وَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْعِلْمَ وَالْجَهْلَ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ قِبَلِ الِاسْتِحْقَاقِ وَالْعِلْمُ بِالِاسْتِحْقَاقِ لَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ اهـ.
(قَوْلُهُ: كَمَا لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً حُبْلَى) أَيْ وَقَدْ دَلَّسَ الْبَائِعُ الْحَمْلَ. اهـ. غَايَةٌ.
(قَوْلُهُ: فَيَرْجِعُ بِنُقْصَانِهِ) وَهُوَ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ سَارِقًا إلَى غَيْرِ سَارِقٍ هَكَذَا فِي أَصْلِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَصَرَّحَ الْعَتَّابِيُّ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ عَيْبِ السَّرِقَةِ لَا بِنُقْصَانِ الْقَطْعِ وَتَعْلِيلُهُ مَبْسُوطٌ فِي الْغَايَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: بِأَنْ يُقَوَّمَ سَارِقًا) أَيْ وَاجِبَ الْقَطْعِ وَغَيْرَ وَاجِبِهِ فَيَرْجِعُ بِمَا بَيْنَهُمَا اهـ فِرِشْتَا وَمُصَفَّى (قَوْلُهُ: فَصَارَ كَمَا إذَا قُتِلَ الْمَغْصُوبُ بَعْدَ الرَّدِّ بِجِنَايَةٍ إلَخْ) فَإِنَّ الْغَاصِبَ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ كَمَا لَوْ قُتِلَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ اهـ (قَوْلُهُ: وَلَئِنْ سَلَّمَ إلَخْ) أَنَّهَا وِفَاقِيَّةٌ فِي الرُّجُوعِ بِالنُّقْصَانِ فَقَطْ اهـ