ذلك إلى اجتهادات منضبطة بالضوابط الشرعية سواء في بيان أحوال الرواة، أو في علل الأحاديث، ولن تجده يسلم للحافظ ابن حجر كل كلامه عن الرواة في التقريب، ثم علق على الكتاب بتعليقات فقهية تتضح فيها القدرة الأصولية ذكر فيها أقوال أرباب المذاهب الفقهية ورجح بين الآراء، فأخرج لنا مجهودًا يستحق التقدير والثناء، ومثله جدير بأن يخرج على يده مثل هذا العمل العظيم فإن له مشاربهات عديدة في هذا المجال، وقد قام على تحقيق عدد من كتب السنة، من أمثال:(سنن ابن ماجه) في أربعة مجلدات، وكتاب (المطالب العالية في زوائد المسانيد الثمانية) لابن حجر في عشرين مجلدًا، ثم إن له جهودًا طيبة في السنة النبوية فقد شرح:(بلوغ المرام) و (عمدة الأحكام) بشروح تجد فيها من التحقيق والفوائد ما لا تجده في الشروح الأخرى، ويدلك على تمكنه في علوم الحديث كتابه الرائع:(مختصر صحيح البخاري) الذي احتوى على جميع ألفاظ البخاري التي على شرطه في صحيحه في مجلد واحد؛ مع شرح لغامض ألفاظه، وتجد مع كل حديث جميع تراجم البخاري عليه، فكان محل إعجاب وثناء، مما جعل عددًا من طلاب العلم يبادرون إلى حفظه.
ثم إن المحقق ليس مقتصرًا على فن واحد، بل ما من علم شرعي إلا وله مشاركة فيه وللَّه الحمد والشكر وعنده ترجيحات وفوائد لا تكاد تجدها عند غيره، ففي علم الأصول هو من أبرز باحثيه ومدرسيه، وما هذه المؤلفات الأصولية التي خطبها بنانه إلا أكبر شاهد على ذلك، مع صعوبة علم الأصول وقلة المشتغلين به، وإن أردت معرفة صحة ذلك فطالع مؤلفاته فيه، وهي عديدة من أشهرها: كتاب (القطع والظن عند الأصوليين) و (قوادح الاستدلال بالإجماع) و (المصلحة عند الحنابلة) و (شرح الورقات) إلى غير ذلك من المؤلفات، وأما في الفقه فله مشاركات عديدة تدل على تمكنه منه ونموذج ذلك كتابه:(المسابقات)، بل خاض غمار المستجدات الفقهية فألف فيها من أمثال مسائل:(عقد الإجارة المنتهي بالتمليك)