قَالَ تَعَالَى: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (١)) .لَقَدْ ذَكَرْنَا فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ أَنَّ أَصْلَ نَاسٍ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ: أُنَاسٌ، فَحُذِفَتْ فَاؤُهُ؛ وَعِنْدَ غَيْرِهِ لَمْ يُحْذَفْ مِنْهُ شَيْءٌ، وَأَصْلُهُ نَوْسٌ؛ لِقَوْلِهِمْ فِي التَّصْغِيرِ: نُوَيْسٌ.وَقَالَ قَوْمٌ: أَصْلُهُ نَيْسٌ، مَقْلُوبٌ عَنْ نَسِيَ، أَخَذُوهُ مِنَ النِّسْيَانِ؛ وَفِيهِ بُعْدٌ.قَالَ تَعَالَى: (مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (٤) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (٥)) .وَ (الْوَسْوَاسِ) بِالْفَتْحِ: اسْمٌ، وَبِالْكَسْرِ الْمَصْدَرُ، وَالتَّقْدِيرُ: مِنْ شَرِّ ذِي الْوَسْوَاسِ. وَقِيلَ: سُمِّيَ الشَّيْطَانُ بِالْفِعْلِ مُبَالَغَةً. وَ (الْخَنَّاسِ) : نَعْتٌ لَهُ. وَ (الَّذِي يُوَسْوِسُ) : يَحْتَمِلُ الرَّفْعَ وَالنَّصْبَ وَالْجَرَّ.قَالَ تَعَالَى: (مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (٦)) .قَوْلُهُ تَعَالَى: (مِنَ الْجِنَّةِ) : هُوَ بَدَلٌ مِنْ «شَرِّ» بِإِعَادَةِ الْعَامِلِ؛ أَيْ مِنْ شَرِّ الْجِنَّةِ. وَقِيلَ: هُوَ بَدَلٌ مِنْ ذِي الْوَسْوَاسِ؛ لِأَنَّ الْمُوَسْوَسَ مِنَ الْجِنِّ.وَقِيلَ: هُوَ حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ فِي يُوَسْوِسُ؛ أَيْ يُوَسْوِسُ وَهُوَ مِنَ الْجِنِّ.وَقِيلَ: هُوَ بَدَلٌ مِنَ النَّاسِ؛ أَيْ فِي صُدُورِ الْجِنَّةِ.وَجَعَلَ (مِنَ) تَبْيِينًا، وَأَطْلَقَ عَلَى الْجِنِّ اسْمَ النَّاسِ؛ لِأَنَّهُمْ يَتَحَرَّكُونَ فِي مُرَادَاتِهِمْ.وَالْجِنُّ وَالْجِنَّةُ بِمَعْنًى. وَقِيلَ: (مِنَ الْجِنَّةِ) : حَالٌ مِنَ النَّاسِ؛ أَيْ كَائِنَيْنِ مِنَ الْقَبِيلَيْنِ. وَأَمَّا (النَّاسِ) الْأَخِيرُ فَقِيلَ: هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى ذِي الْوَسْوَاسِ؛ أَيْ مِنْ شَرِّ الْقَبِيلَيْنِ.وَقِيلَ: هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى الْجِنَّةِ. اهـ (التبيان في إعراب القرآن. ٢ / ١٣١١) .(٢) قال محقق الكتاب: هذا آخر المخطوط. وهناك كلام غير واضح في الجزء الأخير من المخطوط، وقد استعنت بما تيسر لي من كتب الإعراب المذكورة آنفا في إظهاره، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute