فله ذلك؛ لقصة الصدِّيق، وكذا: لو كان وحده، ويعلم من نفسه حسن التوَّكُّل والصبر عن المسألة، وإلا: حُرِّم (٥٢).
السُّفلى، وابدأ بنفسك ثم بمن تعول، وخير الصدقة ما كان عن ظهر غِنى" وقال: "لا ضرر ولا ضرار في الإسلام" وقال: "كفى بالمرء إثمًا أن يُضيِّع من يعول" حيث يلزم من تلك النصوص ما قلناه، ولا يُعاقب المسلم إلا إذا ارتكب حرامًا، أو ترك واجبًا، فإن قلتَ: لمَ شُرع هذا؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن من تدبَّر ما ذكرناه هنا لوجد أن فيه جلب مصالح له، ودفع مفاسد عنه.
(٥٢) مسألة: يجوز أن يتصدَّق المسلم بكل ماله، أو بما يُنقص من كفايته وكفاية عياله، وله مع ذلك أجر عظيم، لكن بشرط: أن يكون قادرًا على التكسُّب بما يكفيهم، وهو واثق بحسن توكُّله على الله، والصبر على الفقر والتعفُّف عن المسألة، فإن فُقد هذا الشرط: فيُحرَّم عليه ذلك؛ لقاعدتين: الأولى: الكتاب؛ حيث قال تعالى: ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾ حيث ورد ذلك في سياق المدح لهؤلاء، فيلزم من ذلك جواز ما قلناه ويؤجر على ذلك أجرًا عظيمًا، الثانية: السنة التقريرية؛ حيث أقرَّ ﷺ أبا بكر ﵁ حينما تصدَّق بجميع ماله؛ لعلمه ﷺ عن أبي بكر أنه مُتكسِّب، ويصبر على الفقر، ويترك المسألة وغير أبي بكر ممن يشبهه في هذه الصفات مثله في الحكم؛ لعدم الفارق، من باب "مفهوم الموافقة"، فإن قلتَ: لمَ شُرع هذا؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن ذلك فيه أعظم الأجر، وسدُّ حاجة الفقراء، وفي اشتراط ذلك الشرط دفع مفسدة عنه وعائلته، ودفع المفاسد مُقدَّم على جلب المصالح.
هذه آخر مسائل باب "أهل الزكاة" وهو آخر أبواب كتاب "الزكاة"، ويليه كتاب "الصوم"