حرم وأجزأ (٣٦)(وإن مات من لزماه) أي: الحج والعمرة: (أُخرجا من تركته) من رأس المال: أوصى به أو لا، ويحج النائب من حيث وجبا على الميت؛ لأن القضاء يكون بصفة الأداء، وذلك لما روى البخاري عن ابن عباس: أن امرأة قالت: يا رسول الله: إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت أفأحج عنها؟ قال:"نعم حجِّي عنها، أرأيتِ لو كان على أمك دين أكنتِ قاضيته؟ اقضوا الله، فالله أحق بالوفاء"، (٣٧) ويسقط بحج أجنبي عنه (٣٨) لا عن حي بلا إذنه، (٣٩) وإن ضاع ماله:
(٣٦) مسألة: إذا سافرت المرأة للحج والعمرة بمفردها بدون محرم: فالحج يجزئ عنها، ولكنها تأثم؛ لقاعدتين: الأولى: السنة القولية: حيث قال ﷺ: "لا تسافر امرأة إلا مع محرم" حيث حرّم السفر: لأن النهي مطلق، فيقتضي التحريم وهو خاص بالنهي عن سفرها دون محرم، ومن فعل محرمًا فهو آثم، الثانية: القياس، بيانه: كما أن من حج أو اعتمر وهو تارك لواجب كنفقة من يعول يصح حجه وعمرته مع الإثم، فكذلك المرأة إذا سافرت بدون محرم: يصح حجها وعمرتها مع الإثم، والجامع: أن كلًا منهما ترك واجبًا، وأقام أركان وواجبات الحج والعمرة.
(٣٧) مسألة: إذا مات من توفرت فيه شروط وجوب الحج والعمرة - كما سبق بيانها في مسألة (٦) - فيجب أن يُحج عنه من تركته قبل إخراج الدين والوصية: سواء أوصى بذلك أو لا، وسواء كان مُفرِّطًا أو لا؛ للسنة القولية؛ حيث أمر ﷺ أن يُحج عن المرأة التي ماتت قبل أن تقوم بالحج الذي نذرته، وهو أمر مطلق، فيقتضي الوجوب، والعمرة كالحج في هذا؛ لعدم الفارق من باب "مفهوم الموافقة"، فإن قلتَ: لمَ وجب ذلك؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن ذلك فيه إبراء لذمة ذلك الميت، تنبيه: قوله: "ويحج النائب من حيث وجبا على الميت" هذا على رأي المصنف، وقد بينا أن الراجح: أنه يُجزئ أن يحج النائب من أي بلد كان ولو كان من مكة، وذلك في الفرع التابع لمسألة (٢٤).
(٣٨) مسألة: إذا حج أجنبي عن الميت أو اعتمر عنه: أجزأ ذلك عن الميت: سواء استأذن الميت قبل موته، أو الورثة أو لا؛ للقياس، بيانه: كما أن الدَّين يُقضى عن المدين وتبرأ ذمته وإن لم يعلم المدين فكذلك الحال هنا، والجامع: أن كلًا منهما دين قد انشغلت الذمة به، فبرأت بفعله، أو بفعل غيره؛ لأنه هو المقصود.
(٣٩) مسألة: لا يجوز أن يحج شخص أو يعتمر عن حي إلا بإذنه؛ للقياس بيانه: كما أن الزكاة لا يجوز أن تخرج عن الحي إلا بإذنه، فكذلك الحال هنا، والجامع: أن كلًا منهما عبادة تدخلها النيابة، فلم تجز عن المكلف الحي إلا بإذنه.