ويُرجع فيما قضت فيه الصحابة إلى ما قضوا به فلا يحتاج أن يُحكم عليه مرة أخرى؛ لأنهم أعرف، وقولهم أقرب إلى الصواب، ولقوله ﷺ:"أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم"(٢) ومنه (في النعامة بدنة) روي عن عمر، وعثمان، وعلي،
يقضوا بها على وجه القيمة؛ إذ لو قضوا على وجه القيمة لاعتبروا صفة المتلف التي تختلف القيمة فيه إما برؤية أو إخبار، ولم يُنقل عنهم السؤال عن ذلك حال قضائهم بذلك، فإن قلتَ: لمَ لا تجب القيمة هنا؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن القيمة تختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة والبيئات، فدفعًا لمشقة ذلك: اعتبرت المثلية؛ تحقيقًا للعدالة.
(٢) مسألة: إذا قضى بعض الصحابة بأن هذا الصيد مثل ذلك الحيوان من بهيمة الأنعام: فإنا نأخذ به، ولا يحتاج إلى اجتهاد منا مرة أخرى؛ لقول وفعل وتقرير الصحابي؛ حيث إنه حجة فيما يقوله ويفعله ويُقرِّره، فإن قلتَ: يجوز لغيرهم ممن جاء بعدهم أن يجتهدوا فيما اجتهد فيه الصحابة مرة ثانية، وهو قول مالك؛ للكتاب؛ حيث قال تعالى: ﴿يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾ حيث إن الآية مُطلقة فيمن توفرت فيه شروط العدالة، وهذا يدخل فيه الصحابة، وغيرهم قلتُ: إن اجتهادات الصحابة في ذلك وغيره مقدَّمة على اجتهادات غيرهم ممن جاء بعدهم؛ للتلازم؛ حيث إن مشاهدتهم للتنزيل، وأخذهم الشريعة من فيِّ النبي ﷺ، ومعرفتهم لأسباب النزول العامة والخاصة، وشهادة الله لهم ورسوله بالعدالة يلزم منه أنهم أعلم بمقاصد الشريعة من غيرهم: فيكون قولهم أقرب للصواب من قول غيرهم، تنبيه: حديث: "أصحابي كالنجوم" ضعيف عند كثير من أئمة الحديث، وهذا لا يحتج به، لذلك يُقدَّم الاستدلال الذي ذكرناه على الاستدلال به الحديث.