(فإن قال: لم تودعني ثم ثبتت) الوديعة (ببيّنة، أو إقرار، ثم ادَّعى ردًّا أو تلفًا سابقين لجحوده: لم يقبلا ولو ببيّنة)؛ لأنه مكذب للبيّنة، وإن شهدت بأحدهما، ولم تعين وقتًا: لم تسمع (٢٩)(بل) يُقبل قوله بيمينه في الرَّد والتلف (في) ما إذا أجاب بـ (قوله: مالك عندي شيء ونحوه) كما لو أجاب بقوله: "لا حقَّ لك قِبَلي" أو "لا تستحق عليَّ شيئًا"(أو) ادَّعى الرد، أو التلف (بعده) أي: بعد جحوده (بها) أي: بالبيِّنة؛ لأن قوله لا ينافي ما شهدت به البيِّنة ولا يُكذِّبها (٣٠)(وإن مات المودَع و
= المغصوبة إذا تلفت عنده فكذلك المودَع إذا امتنع من دفع الوديعة إلى صاحبها بدون عذر وتلفت عنده: فإنه يضمنها، والجامع: أن كلًّا منهما قد أمسك مال غيره بدون إذنه بفعل محرم، فإن قلتَ: لِمَ شُرع هذا؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن ذلك فيه حماية حق المودِع، وحق المودَع من تحايل أحدهما على الآخر.
(٢٩) مسألة: إذا ادَّعى زيد وديعة له عند عمرو، فأنكر عمرو قائلًا:"لم تودعني شيئًا"، ثم أثبت زيد بالبيِّنة أنه أودعه، أو أن عمرًا أقرَّ بها عنده، ثم ادَّعى - أي: المودَع - وهو عمرو - أنه ردَّها إلى صاحبها - وهو زيد - أو ادَّعى أنها تلفت عنده قبل جحوده: فإن دعواه بالتلف أو الرَّد لا يقبلان، ولو أثبت - أعني المودَع - بيِّنة على تلفها أو ردِّها، وعليه ضمانها: للتلازم؛ حيث إن المودع - وهو عمرو هنا - مُكذِّب لإنكاره الأول - وهو قوله:"لم تودعني شيئًا" - ومعترف على نفسه بالكذب المنافي للأمانة - التي يجب أن يتحلَّى بها المودَع - فيلزم من ذلك كله: عدم الثقة به، ووجوب الضمان عليه، لتحققه عليه، فإن قلتَ: لِمَ شُرع هذا؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن ذلك فيه الحثّ على وضع الودائع عند الثقات. (فرع): إذا شهدت البيّنة بالتلف من الحرز ولم تعيّن وقتًا هل هذا وقع قبل الجحود أو بعده، واحتمل الأمرين: لم يسقط الضمان؛ للتلازم؛ حيث يلزم من عدم الثقة بكلام المودَع؛ نظرًا لتكذيبه نفسه: أن الضمان متحقق عليه، وهذا لا ينتفي بأمر متردد فيه.
(٣٠) مسألة: إذا ادَّعى زيد أنه أودع عمرًا وديعة، فأنكر عمرو ذلك قائلًا: "ما لك=