والمستأجر) إذا غصبت العين منهم (مطالبة غاصب العين)؛ لأنهم مأمورون بحفظها، وذلك منه، وإن صادره السلطان أو أخذها منه قهرًا: لم يضمن قاله أبو الخطاب (٣٣).
= وأودعه محمد شعيرًا ثم طلب زيد دراهمه منه: فإنه يُسلمه له، فكذلك الحال هنا، والجامع: أنه في كل منهما حق مشترك، وقسمته ممكنة؛ حيث تميز نصيب كل واحد عن الآخر بغير ضرر ولا غبن علي أحد، فإن قلتَ: لِمَ شُرع هذا؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن ذلك فيه تيسير وتسهيل على المودَعين، والمودِعين.
(٣٣) مسألة: إذا غُصبت الوديعة من المودَع، وأخذت منه فلا يجب عليه مطالبة غاصبها، ولا ضمان عليه أيضًا، وهذا مطلق، أي: سواء كان الغاصب لها السلطان أو غيره، وسواء أُخذت من المودَع قهرًا، أو إكراهًا؛ للتلازم؛ حيث يلزم من عدم الأمر بالمطالبة بها إذا أخذت: عدم وجوب المطالبة بها على المودَع، ويلزم من وجود القهر في أخذها، أو الإكراه: عدم ضمانها لصاحبها؛ لأن القهر والإكراه عذر يسقطان الضمان، فإن قلتَ: لِمَ شُرع هذا؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إنه لو وجب على المودَع المطالبة بها وضمانها لو سرقت الوديعة أو غُصبت: لأفضى إلى امتناع الناس عن أن يقبلوا الودائع عندهم؛ لأن الوديعة معرَّضة لذلك، وبهذا يتضرّر المجتمع الإسلامي، فدفعًا لذلك: شرع ما ذكر هنا، فإن قلت: يجب على المودَع أن يُطالب من غصبها في هذه الحالة، وإن صادرها السلطان، أو أخذها منه: لا يضمنها، وهو ما ذكره المصنف هنا؛ للتلازم؛ حيث إنه يلزم من الأمر بحفظ الوديعة: الأمر بالمطالبة بها إذا غُصبت؛ لأن المطالبة بها من حفظها قلتُ: لا يُسلَّم أن الأمر بحفظها يلزم منه المطالبة بها إذا غُصبت؛ لكون المطالبة بها تتضمن مشقّة تُنفِّر الناس من قبول ودائع الآخرين، وهذه مفسدة، ودفع المفاسد مقدم على جلب المصالح، فإن قلت: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "تعارض التلازم مع المصلحة والتلازم الذي ذكرناهما" كما هو واضح.
هذه آخر مسائل باب "الوديعة" ويليه باب "إحياء الموات".