ويقوم العمل مقام القبول؛ لأنه يدلّ عليه كالوكالة (٢)، ودليلها: قوله تعالى: ﴿ولمن جاء به حمل بعير) وحديث اللَّديغ (٣)، والعمل الذي يؤخذ الجعل عليه (كرد عبد
= بني لي حائطًا فله كذا"، وبهذا يُعلم الفرق بين الجعالة والإجارة؛ حيث إن الجعالة لا يُشترط فيها العلم بالعمل، ولا بالمدة، بخلاف الإجارة كما سبق بيانه فيُشترط ذلك، وكذا: عقد الجعالة يجوز ولو لم يعلم العاقد والعامل، بخلاف الإجارة، ومنها: أن الجعالة عقد جائز، والإجارة لازم.
(٢) مسألة: إذا بدأ شخص بالعمل بما طُلِب في الجعالة: فهذا يدل على قبوله لهذا العمل، فمثلًا: إذا قال زيد: "من بنى جدارًا لي فله ألف" ثم بدأ عمرو بالبناء: فإنه يكون قابلًا لذلك؛ للقياس؛ بيانه: كما أن زيدًا لو قال لعمرو: "قد وكَّلتك في كذا" فبدأ عمرو بالعمل بذلك: فإن هذا يدل على قبوله لتلك الوكالة، فكذلك الحال هنا، والجامع: أن العمل فيما طُلب يدلّ على قبوله، وهذا من باب التيسير على الأمة، وهو المقصد منه.
(٣) مسألة: الجعالة جائزة عند الجمهور؛ لقاعدتين: الأولى: الكتاب؛ حيث قال تعالى: ﴿قالوا نفقد صواع الملك، ولمن جاء به حمل بعير، وأنا به زعيم﴾ - وذلك في قصة يوسف وإخوته - فهنا جعل لمن جاء بالمكيال حمل بعير يأخذه مجانًا، فدلَّ على جواز ذلك؛ لأن شرع مَنْ قبلنا شرع لنا إذا لم يرد في شرعنا نسخه، وهنا لم يرد شيء ينسخه فلزم جوازه، الثانية: السنة التقريرية؛ حيث إن ناسًا من أصحاب رسول الله ﷺ أتوا حيًا من أحيا العرب، فلم يقروهم - أي: يضيفوهم - فبينما هم كذلك إذ لدغ سيد أولئك، فقالوا: هل فيكم راق؟ فقالوا: لم تقرونا، فلا نفعل حتى تجعلوا لنا جعلًا، فجعلوا لهم قطيع شياه، فجعل رجل يقرأ بأم القرآن، ويجمع بزاقه، ويتفل، فبرأ الرجل - وهو سيدهم - فأتوا بالشاء، فقالوا: لا نأخذها حتى نسأل رسول الله ﷺ، فسألوا رسول الله ﷺ عن ذلك، فضحك، وقال: "وما أدراك أنها رقية؟ خذوها، واضربوا لي فيها بسهم"، فإن=