لكن لو جهله ربُّه، وكتمه المدين؛ خوفًا من أنه لو علم: لم يُبرئه: لم تصح البراءة (١٨)،
الدَّين بلفظ من الألفاظ الدالة على الإبراء: فإنه ذمَّة المدين -وهو عمرو- تبرأ من ذلك الدَّين: سواء كان هذا الإبراء من زيد وقع قبل حلول وقت دفع عمرو للدَّين، أو بعده، وسواء ردَّ المدين -وهو عمرو- ذلك الإبراء ولم يقبله، أو لم يردَّه، وقبله، وهذا يُعتبر من الهبة، والعطية، والهدية؛ للقياس؛ بيانه: كما أن زيدًا لو أعتق عبد عمرو وأعطاه قيمته - فإن العبد يعتق: سواء قبل الإعتاق أو لا والجامع: أنه في كل منهما إسقاط حق، لم يفتقر إلى القبول، فإن قلتَ: لِمَ صح الإبراء من الدَّين قبل حلول وجوب الوفاء به؟ قلتُ: لأن الدَّين ثابت أصلًا في الذمة، وهذا التأجيل لا يمنع هذا الثبوت، فصحّ الإبراء لما في الذمة.
[فرع]: تصح أيُّ صيغة دالة على الإبراء، ومن أولاها أن يقول المبرئ للمدين:"أنت في حلِّ مما لي عندك" أو يُعلِّقه بالموت فيقول: "إن متَّ قبلي فأنت في حل، وإن متُّ قبلك فأنت في حل"، أو يقول:"تصدَّقتُ عليك بالدين الذي أطلبك" أو يقول: "وهبتك المال الذي أطلبه منك" أو يقول: "أسقطتُ عنك ما عندك لي" أو يقول: "أعطيتك ما عندك لي" أو يقول: "أترك الوفاء لي" أو يقول: "ملَّكتك ما عندك لي" أو يقول: "عفوتُ عنك الدين الذي أطلبك" وغير ذلك من الألفاظ المشابهة؟ للتلازم؛ حيث يلزم من تلك الصيغ وما شابهها: الإبراء.
(١٨) مسألة: إذا كان زيد يُطالب عمرًا بدين مجهول القدر والصفة، فأبرأ زيد عمرًا من ذلك الدَّين بلفظ من من ألفاظ الإبراء -السابقة الذكر-: ففيه تفصيل هو كما يلي: أولًا: إن كان الدائن -وهو زيد هنا يعلم قدر وصفة ذلك الدَّين، والمدين والمبرأ -وهو عمرًا- يجهله فإن الإبراء يصح؛ لقاعدتين: الأولى: السنة القولية؛ حيث قال ﷺ:"اقتسما، وتوخيا، ثم استهما، ثم تحالا" فيلزم من لفظ "توخيا" أن كلًّا منهما قد جهل بعضًا من حقه على الآخر، وهو جائز في الإحلال، =