وتصح الوصية من البالغ الرشيد (٢) ومن الصبي العاقل (٣)، ..........................
(٢) مسألة تصح الوصية من المكلَّف: سواء كان عدلًا أو فاسقًا، ذكرًا أو أنثى، مسلمًا أو كافرًا، ما لم يصل إلى حدِّ الغرغرة -وهو: وقت خروج الروح، أو بلوغ الروح الحلقوم- بشرط: عدم زوال عقله؛ للقياس؛ بيانه: كما أن هبة هؤلاء صحيحة فكذلك تصح وصيتهم من باب أولى والجامع: أنه في كل منهما تبرُّع بمال ينفعه في الدنيا والآخرة، من غير ضرر على الآخرين.
(٣) مسألة: لا تصح وصية الصبي إلى أن يبلغ، وهو قول كثير من العلماء وهو رواية عن أحمد، لقاعدتين؛ الأولى: القياس؛ بيانه: كما أنه لا تصح من الصبي الهبة والعتق، فكذلك لا تصح الوصية منه والجامع: أن كلَّا منهما تبرع وتصرف بمال لمن ليس له التصرُّف فيه، الثانية: قول الصحابي؛ حيث إن ابن عباس قد ذهب إلى هذا المذهب، فإن قلتَ: لِمَ شُرع هذا؟ قلتُ: للمصلحة: حيث إن الصبي لا يدرك المقصود من الوصية فكثيرًا ما يُغر ويُخدع؛ نظرًا لعدم إدراكه لحقائق الأمور، فإن قلت: تصح وصية الصبي العاقل، وهو ما ذكره المصنف هنا؛ لقاعدتين: الأولى: القياس؛ بيانه: كما تصح صلاة الصبي العاقل فكذلك تصح وصيته والجامع: أن كلًّا منهما تصرُّف فيه نفع له، الثانية: قول الصحابي؛ حيث إن عمر أجاز وصية صبي. قلتُ: أما القياس ففاسد؛ لأنه قياس مع الفارق؛ لأن صلاة الصبي ليس فيها ضرر على غيره، أما الوصية فيوجد ضرر على غيره. وهم ورثته، أما قول الصحابي: فإنه معارض بقول صحابي آخر، وهو ابن عباس ـكما سبق- وإذا تعارض قولا صحابيين في مسألة واحدة تساقطا ورُجع إلى مُرجِّع لأحدهما من دليل خارجي، وقد وجد عندنا دليل خارجي وهو القياس الذي ذكرناه يُرجِّح عدم صحة وصيته، فإن قلت ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ:"تعارض القياسين": فنحن ألحقنا الوصية بالهبة؛ لكونها أكثر شبهًا بها، وهم ألحقوها بالصلاة؛ لكونها أكثر شبهًا بها عندهم، وهو ما يُعرف بقياس "الشبه" أو "غلبة =