حيث إن المصلحة اقتضت أن يُجلد شارب الخمر ثمانين جلدة؛ لأن العقوبة شُرعت للرَّدع والزَّجر، ولا يحصل ذلك إلّا بثمانين، فيكون جلد أربعين ثبت بالنص، والأربعين الأخرى ثبتت بقول الصحابي وفعله لاقتضاء المصلحة، وذلك تعزيرًا، الخامسة: الإجماع؛ حيث أجمع العلماء على أن حد الرقيق على النصف من حد الحر في ذلك، فإن قلتَ: إن حد شارب الخمر أربعين جلدة فقط؛ للسنة الفعلية وقول وفعل الصحابي؛ أبي بكر وعلي، حيث إن عليًا جلد الوليد بن عقبة أربعين، ثم قال جلد النبي ﵇ أربعين، وأبو بكر أربعين، وعمر ثمانين، وكل سنة، وهذا أحب إليّ" قلتُ: إن عليًا لم ينكر ما فعله عمر باستشارة كثير من الصحابة، فدل على موافقته على جلده ثمانين بالنص، وبالاجتهاد على حسب ما تقتضيه المصلحة، ودفع المفسدة، وهذا يجوز في ذلك كما جُوِّز الاجتهاد في صفة الضرب فيه من قوته وضعفه، فإن قلتَ: ما الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "تعارض السنة مع قول وفعل الصحابي: عمر ومن وافقه من الصحابة"، فإن قلتَ: لَمِ اشترطت تلك الشروط؟ قلتُ: لأن من اجتمعت فيه تلك الشروط، ومع ذلك شرب: فإنه قاصد لارتكاب معصية الله تعالى، بخلاف الصغير، والمجنون، والمكره، والجاهل بالحكم فهم معذورون بالصغر، والجنون، والإكراه والجهل؛ لكونهم لم يقصدوا ارتكاب المعصية، لذلك لا يأثموا لو شربوا، ولا يُحدُّوا، والأصل في ذلك قوله ﵇: "رفع القلم عن ثلاثة: الصبي حتى يبلغ والمجنون حتى يفيق .. وقوله:"عفي عن أمتي الخطأ، والنسيان، وما استُكرهوا عليه" والجهل مثل الخطأ؛ لعدم الفارق، من باب "مفهوم الموافقة"، أما الكافر فلا يُحدُّ؛ لأن الكفار غير مكلفين بفروع الإسلام - كما فصَّلتُ ذلك في كتابي:"الإلمام في مسألة تكليف الكفار بفروع الإسلام "-.
[فرع]: إذا شرب شخص خمرًا وادَّعى جهله، بتحريمه، أو جهله بأن ما شربه=