أنت أولى بذلك قال:"وإن كان" قلتُ: علام أقضي؟ قال:"اقض فإن أصبت فلك عشرة أجور، وإن أخطأت فلك أجر واحد" وهذا إشارة إلى أهمية القضاء بين الخصوم و"أمر ﵇ بأن لا يسافر اثنان إلا ويجعلان أحدهما أميرًا" وهذا تنبيه على أنه لا بد للأمر من رأس يقضي ويفصل؛ لئلا تحصل فتنة؛ الثالثة: قول وفعل الصحابي؛ حيث إن الخلفاء الراشدين قد تولّوا القضاء، وبعثوا القضاة في الأطراف ليقضوا بين الناس الرابعة: الإجماع؛ حيث أجمع العلماء على وجوب نصب القضاة الذين يحكمون بين الناس، فإن قلتَ: لِمَ وجب نصب القضاة؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن أمر الناس، وحياتهم لا يمكن أن تستقيم بدونهم، إذ في القضاء أمر بالمعروف، ونصرة للمظلوم، وإيصال الحق إلى مستحقه، ورد الظالم عن ظلمه، وإصلاح بين الناس، وتخليص بعضهم من بعض، وإثبات شرع الله في أرضه وعلى خلقه، وتأمين الناس في دورهم، وأسواقهم، وهذا من أعظم القرب إلى الله تعالى ولذلك وجب على من بلغ درجة الاجتهاد في الشريعة، وقوي عليه أن يتولاه، وله أجران في كل قضية أصاب فيها، وله أجر واحد إذا أخطأ فيها؛ حيث قال ﵇:"إذا حكم الحاكم فأصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر" أما إذا لم يبلغ درجة الاجتهاد في الشريعة، أو كان بالغًا لدرجة الاجتهاد ولكن غلب على ظنه أنه لا يؤدي الحق في القضاء: فيحرّم عليه أن يتولَّاه؛ للمصلحة: حيث يلزم من عدم بلوغه درجة الاجتهاد أو عدم أدائه للحق فيه: أن لا يؤدي الحقوق إلى أهلها ويكون الحكم بالتشهي، والتلذذ ويكون الجهال هم الحكّام، ويُبعد العلماء المحققون فينتشر الفساد والظلم، ولا يأمن أحد على نفسه، ولا على أمواله، ولا على أي شيء كان، فيكسل الناس عن العمل: فلا يعملون بتجارة، ولا زراعة ولا غيرها وفي هذا هدم للإسلام والمسلمين، وقد وقع بعض من ذلك.