لسبقها، وغَلَبَتِها من حيث ملاصقتها لاسم الذات، وغلبتها من حيث تكرارها على أضدادها وعدم انقطاعها (٢)، وقُدِّم "الرحمن" لأنه علم في قول، أو كالعَلم: من حيث إنه لا يُوصف به غيره تعالى؛ لأن معناه: المنعم الحقيقي البالغ في الرحمة غايتها، وذلك لا يصدق على غيره، وابتدأ بها؛ تأسِّيًا بالكتاب العزيز، وعملًا بحدبث "كلُّ أمرٍ ذي بالٍ لا يُبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أبتر" أي: ناقص البركة، وفي رواية:"بالحمد الله" فلذلك جمع بينهما (٣) فقال: (الحمد الله) أي: جنس
= للمصلحة؛ حيث إن ذلك فيه الحصول على بركة البداءة بهذا الاسم الأعظم الذي لم يُتَسمَّ به أحد، هذا إن كانت "الباء" للملابسة، وإن كانت للاستعانة: فهو يستعين بهذا الاسم على إنجاز أي عمل يُبدأ به، و "الباء" هنا لهما معًا، والتقدير:"بسم الله حال كوني مستعينًا بذكره متبركًا باسمه"، وقد تكلمت عن هذا بالتفصيل في مقدمة كتاب:"الإتحاف".
(٢) مسألة: ذكَرَ "الرحمن" و "الرحيم" المشتقَّين من "رحمة واحدة" بعد ذكر اسم الجلالة "الله" للقياس، بيانه: كما أن اسم الذات -وهو: الله- لا ينفكُّ عنه سبحانه فكذلك "الرحمن" و "الرحيم" لا ينفكان عنه سبحانه، والجامع أن كلًا منهما يحتاجه العبد؛ إذ "الله" مشتق من "الوَله" لكون العباد يأهلون إليه في قضاء حوائجهم، ورحمته، تتكرر ولا تنقطع عن أيِّ عبد، حيث إن الله أرحم بالعبد من نفسه، فتكون رحمته غالبة، فالصقت باسم الذات -وهو: الله- فإن قلتَ: لم شُرع هذا؟ قلتُ: للمصلحة وهي: بيان أن رحمة الله وسعت كل شيء وأن العبد لا يمكنه العيش في الدنيا والآخرة بلا رحمة الله، فيجب أن يسألها منه سبحانه.
(٣) مسألة: قدَّم "الرحمن" على "الرحيم"؛ للتلازم؛ حيث إن معنى "الرحمن" هو ذو الرحمة الذي لا نظير له فيها، ولا يوصف بها غيرُه، ولا يصدق على غيره، فهو صاحب الرحمة الحقيقية، فيلزم من وصول رحمته إلى غاية لا يمكن أن يصل إليها غيرُه: تقديم لفظ "الرحمن" على "الرحيم" لاختصاصها به سبحانه، =