أشدُّ حاجة من المساكين؛ لأن الله تعالى بدأ بهم، وإنما يبدأ بالأهم فالأهم، فهم (من لا يجدون شيئًا) من الكفاية (أو يجدون بعض الكفاية) أي: دون نصفها (٢)، وإن
فإن ذمته تبرأ؛ للتلازم؛ حيث إن وجود واحد من الأصناف الثمانية شرط للأداء فيلزم من عدم الشرط - وهو: وجود أحد الأصناف -: عدم الحكم - وهو: وجوب الأداء، فإن قلتَ: لمَ سقط الأداء هنا؟ قلتُ: لأن الأداء واجب، وهو معجوز عنه، ويسقط الواجب بالعجز عنه أصله قوله تعالى: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾. [فرع آخر]: يحرم أن يُعطى من الزكاة الفاسق بفعل المنكرات من زنا، أو شرب خمر، أو التعامل بالربا، أو التحايل على أكل الحرام، أو نحو ذلك من أنواع الفسق ولو كان من الأصناف الثمانية؛ للكتاب؛ حيث قال تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ فحرَّم هنا التعاون على الإثم؛ لأن النهي مطلق، فيقتضي التحريم، ولو أعطيت الفسَّاق: للزم من ذلك: التعاون على الإثم، فيدخل ما نحن فيه في عموم هذه الآية؛ لأن "الإثم" مفرد محلَّى بال وهو من صيغ العموم، فإن قلتَ: لمَ حُرِّم ذلك؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إنَّ حرمان الفسقة من إعطائهم الزكاة سبب لجعلهم يرجعون إلى رُشدهم.
(٢) مسألة: في الأول - ممن يُعطون من الزكاة - وهو: الفقير، وهو: الذي لا يجد شيئًا من كفايته، أو يجد بعض الكفاية التي لا تكفيه وعياله دون نصفها، ولا يقدر على فعل شيء؛ للكتاب؛ حيث قال تعالى: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ﴾ فجعل الشارع الفقير من الذين يستحقون الزكاة، فإن قلتَ: لمَ كان الفقير من الثمانية ولِمَ بدأ به؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن الفقراء أولى الناس بالعطاء؛ لشدَّة حاجتهم، ولانتشارهم بين المسلمين، ولكثرتهم، فكانوا - لذلك - أهم من غيرهم، فإن قلتَ: لمَ سُمِّي الفقير بهذا الاسم؟ قلتُ: نسبة إلى فقرات الظهر؛ حيث إن من نُزِعت فقرة من فقراته: ينقطع صلبه، وتضعف قوته، فلا يقدر على العمل ليتكسَّب.