للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الموضوعة بإزاء الجوارح، كالعين والوجه والإصبع والساق، وكل شيء من ذلك فإنما يطلق على الله تعالى من طريق المجاز والاتساع (١)، والناس في أمثال هذه الأسماء على ثلاثة أقسام:

القسم الأول: أجروها على ظاهرها اللغوي، فأعطوها حكمها الوضعي فجعلوا لله عينًا ووجهًا ويدًا وقدمًا وساقًا، وكذلك كل ما جاء من هذا النمط في القرءان العزيز وحديث النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهؤلاء هم المجسمة والمشبهة أعاذنا الله من الزيغ والزلل ووفقنا لأحسن القول والعمل.

القسم الثاني: أجروا هذه الأسماء على ما جاءت عليه من غير تعرض إلى ما يراد بها, ولأنهم لمعانيها التي أطلقت عليها ولا تأويل لألفاظها الواردة، بمقتضى


(١) قلت: غفر الله للمصنف وعفا عنه فقد أبعد النجعة، ونأى عن سبيل أهل السنة والجماعة إلى طريق المعطلة الذين صرفوا اللفظ عن معناه الحقيقي إلى معنى لا يراد؛ فوقعوا في الإلحاد في أسماء الله وصفاته، وأهل السنة والجماعة يثبتون ما أثبته الله لنفسه وأثبته له رسوله - صلى الله عليه وسلم - من غير تحريف ولا تعطل، ومن غير تكييف ولا تمثيل.
فأثبتوا الصفات لله تعالى ولم يكيفوا ماهيتها.
قال الإِمام البيهقي في الاعتقاد (٨٩):
ذكر آيات وأخبار وردت في إثبات صفة الوجه واليدين والعين وهذه صفات طريق إثباتها السمع، فنثبتها لورود خبر الصادق بها, ولا نكيفها. قال الله تبارك وتعالى: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرحمن: ٢٧]. فأضاف الوجه إلى الذات، وأضاف النعت إلى الوجه، فقال: {ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} ولو كان ذكر الوجه صفة، ولم يكن للذات صفة لقال: ذي الجلال والإكرام، فلما قال: ذو الجلال والإِكرام علمنا أنه نعت للوجه، وهو صفة للذات، وقال الله عز وجل: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: ٧٥]. بتشديد الياء من الإضافة وذلك تحقيق في التثنية، وفي ذلك منع من حملهما على النعمة أو القدرة لأه ليس لتخصيص التثنية في نعم الله ولا في قدرته معنى يصح، لأن نعم الله أكثر من أن تحصى، ولأه خرج مخرج التخصيص وتفضيل آدم عليه السلام على إبليس وحملهما على القدرة أو على النعمة يزيل معنى التفضيل لاشتراكهما فيها، ولا يجوز حملهما على الماء والطين، لأُه لو أراد ذلك لقال: لما خلقت من يدي كما يقال: ضغت هذا الكوز من الفضة أو من النحاس، فلما قال: بيدي علمنا أن المراد بهما غير ذلك. وقال الله عز وجل {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} [طه: ٣٩]، وقال: {فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} [الطور: ٤٨].

<<  <  ج: ص:  >  >>