للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وليس بالقوي لأنه لم يجئ إلا قليلًا، قالوا في قرأت قريت، فالوُضوء بالضم الفعل نفسه، وقيل: إنه مصدر، وبالفتح الماء الذي يُتَوَضَّأُ به، وقيل: هو مصدر أيضًا وقيل: هما لغتان بمعنى واحد.

فأما توضأت فمصدره الحقيقي الجاري على القياس التوضّؤ مثل تكفَّأَ تكفُّؤ وتلكَّأَ تَلَكُّؤ، والأحسن في الوضوء أن يكون اسمًا للمصدر، لا مصدرًا؛ لأن فعولًا لم يجئ مصدرًا إلا لفَعَلَ يفعُل، وفَعَلَ يفعِلُ نحو شكر يشكر شكورًا, وجلس يجلس جلوسًا، والفعل المستعمل في الوضوء إنما هو توضأت ولم يرد فيه وضأت مثل جلست وشكرت؛ لكنهم قالوا: وضؤ الرجل إذا صار وَضِيًّا أي حسنًا نظيفًا, ولم يرد في مصادر فعُل بالضم فعول؛ اللهم إلا أن يقال: إنه مصدر فِعل مرفوض الاستعمال، وله في العربية نظائر، هذا معنى الوضوء في اللغة.

وهو في الشرع: عبارة عن استعمال الماء الطهور على أعضاء مخصوصة، بنية مخصوصة، مقرونًا بنية منعقدة في القلب دالة على رفع الحدث أو استباحة الصلاة وغير ذلك، وهذه النية شرط في صحة الوضوء عند الشافعي -رحمه اللَّه.

والهمزة في قوله: "أنتوضأ" همزة استفهام دخلت على فاء العطف التي عطفت الجملة على الجملة، ولولا الفاء لكان الكلام غير ملتبس بالأول؛ وإنما هي التي جمعت بين الأول والثاني، وجعلت الوضوء مترتبًا على الحمل، فكأن الكلام كان في الأول نحمل فنتوضأ، فلما أن أراد أن يستفهم عن جواز الوضوء بماء البحر أدخل همزة الاستفهام عليه، والباء في قوله "بماء البحر" يجوز أن تكون للإطلاق والتسبيب كما تقول: ضربت بالسيف، وكتبت بالقلم؛ أيْ توضأت بالماء كأنه آلة حصلت النظافة والطهارة بها. ويجوز أن تكون الباء للملابسة والمخالطة كقوله تعالى:

<<  <  ج: ص:  >  >>