للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الفصل الثاني في العمل بالكتاب والسنة]

أخبرنا الشافعي: أخبرنا عبد العزيز بن محمد، عن عمرو بن أبي عمرو -مولى المطلب- عن المطلب بن حنطب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما تركت شيئًا مما أمر الله به إلا وقد أمرتكم به، ولا تركت شيئًا مما نهاكم الله عنه إلا وقد نهيتكم عنه، وإن الروح الأمين نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستوفي رزقها، فأجملوا في الطلب".

هذا حديث مشهور دائر بين العلماء، وأعرف فيه زيادة لم أجدها في المسند وهي: "ألا فاتقوا الله" قبل قوله: "فأجملوا في الطلب"، وهذا الحديث أخرجه الشافعي في أول كتاب "الرسالة" (١) مستدلًا به على العمل بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مما لم يتضمنه القرآن قال الشافعي: لم يسنن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئًا قط إلا بوحي الله -عز وجل- فمن الوحي ما يتلى، ومنه ما يكون وحيًا إلى رسوله فيسن به.

قال الشافعي: وقيل لما يُتْل قرآن وإنما ألقاه جبريل في روعه بأمر الله -عز وجل- فكان وحيًا إليه، وقد قيل: جعل الله إليه لما شهد له به من أنه يهدي إلى صراط مستقيم أن يسن، وأيهما كان فقد ألزمه الله خلقه، ولم يجعل لهم الخيرة من أمرهم فيما سن، وفرض عليهم اتباع سنته.

وهذا المعنى الذي يتضمنه هذا الحديث فرض واجب على النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه لا يترك شيئًا مما أمر الله به ونهى عنه إلا ويبلغه الناس، ويوقفهم عليه ويأخذهم به، قال الله -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} (٢) فكان التبليغ واجبًا بمقتضى الأمر المسموع بالنفي


(١) الرسالة (٢٨٩).
(٢) [المائدة: ٦٧].

<<  <  ج: ص:  >  >>