للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أخبرني حميد الأعرج، عن مجاهد أنه قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يظهر من التلبية لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك، قال: حتى إذا كان ذات يوم والناس يُصرفون عنه كأنه أعجبه ما هو فيه فزاد فيها: لبيك إن العيش عيش الآخرة، قال ابن جريج: وحسبت أن ذلك يوم عرفة.

هذا حجة لما ذهب إليه الشافعي، أنه قال: أحب أن لا يتجاوز تلبية رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، إلا أن يرى شيئًا يعجبه فيقول: لبيك إن العيش عيش الآخرة.

قال الشافعي: وهذه تلبية كالتلبية التي رويت عنه، وأخبر أن العيش عيش الآخرة لا عيش الدنيا وما فيها.

قال: ولا ضيق على أحد في مثل ما قال ابن عمر ولا غيره، من تعظيم الله ودعائه مع التلبية، غير أن الاختيار عندي أن يفرد ما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من التلبية.

وإنما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - هذه الزيادة -والله أعلم-: لأنه لما نظر إلى ازدحام الناس عليه وصرفهم عنه، كأنه سره ذلك وأعجبه، فقال -مستغفرًا من هذا الخاطر-: لبيك إن العيش عيش الآخرة لا هذا العيش الفاني الزائل، وأن هذا وأمثاله -وإن كان محبوبًا إلى النفوس قريبًا إلى القلوب، فإنه ظل زائل وسحابة صيف ليس يرجى دوامها، وإنما العيش هو الباقي الدائم الذي هو عيش الآخرة، فكأنه جمع في هذا القول بين فوائد:-

أحدها: توهين ما أعجبته عند نفسه وتقليله ليتتركه [وتصد] (١) ويصدق عنه.

والأخرى: إعلامها أن وراء هذا ما هو خير منه وأبقى إليه، ليميل إليه ويرغب


(١) في الأصل [تصدق] والمثبت هو الأقرب للسياق.

<<  <  ج: ص:  >  >>