للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الشافعي: وقد روى جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ولجعلتها عمرة". فذهب المكيون إلى اختيار التمتع، وهذا وجه لولا أنه يحتمل أنه قال هذا لكره الناس للإحلال حين أمرهم به؛ وأقام هو مفردًا - صلى الله عليه وسلم -، فلما احتمل هذا اخترت الإفراد لأنه الذي عزم له عليه، وهذان الوجهان معًا أحب إليَّ من القران.

قال الخطابي (١): وقد ذهبت طائفة من أهل البدع والفساد في الاعتقاد والملاحدة ذوي العناد، إلى الطعن في أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وفي أهل الرواية والنقل من أئمة الحديث المعدَّلين، فمن جملة ما قالوه في هذا الحديث: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يحج في الإِسلام إلا حجة واحدة، فكيف يجوز أن يكون في تلك الحجة مفردًا، وقارنًا، ومتمتعًا، وأفعال نسكها مختلفة وأحكامها غير متفقة، وأسانيد هذا الحديث كلها عند أهل النقل والرواية صحيحة؟ ثم قد وجد فيها هذا الاختلاف والتناقض. يريدون بذلك توهين الحديث، والإزراء على نقلته، وتضعيف أمرهم، ومستند هذا جميعه خذلان الله تعالى لهم وسد باب التوفيق عليهم، ولقد أنعم الشافعي في بيان هذا المعنى وذكره في كتاب اختلاف الحديث، وجود الكلام فيه واقتصاص طرقه على كمالها مبسوطا، ونحن نذكر خلاصة ما ذكره قال: إن من المعلوم في لغة العرب جواز إضافة الفعل إلى الآمر به، كجواز إضافته إلى الفاعل له، تقول بنى فلان دارًا أمر ببنائها وضرب الأمير فلانًا، إذا أمر بضربه، ورجم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ماعزًا، وقطع سارق رداء صفوان، وإنما أمر برجمه هذا وقطع هذا ومثل ذلك كثير في الكلام وفي هذه الحجة، كان من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المفرد، ومنهم القارن، ومنهم المتمتع. وكل منهم يأخذ عنه أمر نسكه ويصدر عن تعليمه.

قلت: ويشهد لذلك ما روته عائشة -في الصحيحين- قالت: خرجنا مع


(١) معالم السنن (٢/ ١٣٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>