فهذا التوجيه مع حديث الترمذي يطابق لفظ هذا الحديث، وإن كان المشهور والمعروف بخلافه، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما أفاض يوم النحر هذا هو الذي تعاضدت الروايات عليه، ويشهد بخلاف ذلك أيضًا: ما حكيته عن إمام الحرمين في إفاضة النبي - صلى الله عليه وسلم - من مزدلفة إلى منى ومكة ليلة النحر وعودهم إلى منى والله أعلم.
قال البيهقي (١): والذي روي عنه أنه طاف بين الصفا والمروة راكبًا فإنما أراد -والله أعلم- في سعيه بعد طواف القدوم، فأما بعد طواف الإفاضة فلم يحفظ عنه أنه طاف بينهما، والذي يدل عليه: ما ثبت من الآثار أنه طاف طواف القدوم ماشيًا، وسعى بين الصفا والمروة في بعض أعداده ماشيًا، فلما كثر عليه الناس ركب في باقيه، ثم لما طاف طواف الإفاضة طافه بالبيت راكبًا. والله أعلم.
وأخبرنا الشافعي -رضي الله عنه- أخبرنا سفيان، عن الأحوص بن حكيم قال:"رأيت أنس بن مالك يطوف بين الصفا والمروة على حمار".
لما كانت الأحاديث المتقدمة مسوقة لبيان جواز الركوب في الطواف والسعي، وكان بعضها قد صُرِّحَ فيه بالمركوب فقال مرة: على بعير، ومرة: على راحلته، وكان بعضها لم يُصَرَّح بالركوب إنما قال: طاف راكبًا، وكان المعروف عند العرف أن الراكب لا يقال إلا لراكب البعير خاصة، كما يقال لراكب الفرس: فارس وربما ظن من سمع تلك الأحاديث أنه إنما يجوز الركوب في الطواف على الإبل خاصة، لما فيه من التصريح مرة والإجمال أخرى، جاء هذا الحديث الذي يتضمن ذكر الركوب على الحمار، ليعلم أن المركوب لا يختص ببعض المركوبات دون بعض.