للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابن القاسم، عن مالك.

كانت الكعبة مبنية من عهد إبراهيم الخليل -عليه السلام- على قواعدها التي أسسها إبراهيم لما بناها، فلما تغير بناؤها لطول العهد وكاد يهي، اجتمعت قريش على نقضها وبنائها في الجاهلية قبل الإِسلام بعشر سنين، ولرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاثون سنة، واتفقوا يومئذ على أن يضع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحجر الأسود في موضعه، وكانوا يسمونه: محمد الأمين، فلما كشفوا أساسها وأرادوا بناءها عن ذلك لقلة النفقة عندهم، ومعنى قلة النفقة: ليس لأن أموالهم قلت عليهم ولم يتسع لبناء البيت أو لأنهم بخلوا به، ولكن كان للكعبة أموال طيبة من النذور والهدايا، فقالوا: لا ننفق على البيت من أموالنا التي جرى فيها الزنا، والنهب، والغارات. فقصر مال الكعبة عن بنائها، وذلك معنى قوله: اقتصروا عن قواعد إبراهيم لذلك فبنوا ما بنوا منها، وحذفوا من طولها مما يلي الحجر مقدار ستة أذرع زائدًا متناقضًا وبنوا الحائط دونها، وأخرجوا من عرض حائط الكعبة مقدار ذراع مما دونه، وبنوا باقي الحائط فصار ذلك الذراع في أسفل الحائط وهو الشاذروان، وذلك ظاهر حول الكعبة إلا عند الحجر فإنه يلحق بالأرض، فعلوا ذلك لأجل استلامه، فبقيت تلك القطعة المفردة من البيت في جملة الحِجْر، فلما كان الإِسلام وفتح النبي - صلى الله عليه وسلم - مكة؛ قال لعائشة ما قال لها في هذا الحديث، وقد روى عائشة بأطول من هذا مستوفى، فأقره النبي - صلى الله عليه وسلم - على بناء الجاهلية وذلك قوله: "لولا حدثان قومك بالكفر" يريد: أن عهدهم بالجاهلية قريب فإذا رأوني قد هدمت الكعبة وغيرت بناءها الذي بنوه لم تقاومهم أنفسهم على تغييرها وربما نفروا من ذلك ولم تقبله طباعهم، لأن عهدهم بالكفر قريب ولم تطل المدة فنسوا ما كانوا قد ألفوه من أمور الجاهلية ولا ألفوا ما ألزمونه من أحكام الإِسلام، يقول: فأنا أتألفهم بتركها على حالها حفظا لقلوبهم وتحبيبا للإسلام بينهم لتطول مدتهم ويألفوه، ولذلك لما ولي عبد الله بن الزبير الحكم وحدثته عائشة بهذا الحديث، نقض الكعبة وبناها على قواعد إبراهيم وجعل لها

<<  <  ج: ص:  >  >>