للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحكى عن أبي موسى الأشعري، وأبي مجلز، وحميد الأعرج أنهم قالوا: النوم لا ينقض الوضوء على سائر الأحوال، وبذلك قالت الشيعة الإمامية.

ومنشأ هذا الخلاف: هو أن النوم هل هو ناقض لذاته أو لأنه مظنة الحدث؟ وهذا الحديث يدل على أن مجرد النوم مطلقًا ليس بناقض، لأنه لو كان ناقضًا على كل حال لنقضه كسائر الأحداث الناقضة، قليلها وكثيرها، خطئها وعمدها، وإنما هو مظنة للحدث موهم لوقوعه من النائم غالبًا, ولذلك قال النبي - صلى الله عليه وسلم - "العينان وكاء السَّه" (١) فإذا كان النائم بحال من التمسك والاستواء في القعود المانع من خروج الحدث منه؛ كان محكومًا له ببقاء الطهارة، ومتى زال عن هذه الحالة من الاستواء كالاضطجاع، والميل، والاتكاء، والقيام، والركوع، والسجود، وبالجملة فعلى حالة يسهل معها خروج الحدث؛ كان أمره محمولًا على أنه قد أحدث عملا بالغالب -واللَّه أعلم-.

وقال بعض من ذهب إلى مذهب مالك: إنه إذا استقر وارتبط ثم نام، فإن الذي يجيء على المذهب أنه لا وضوء عليه.

وحكى ذلك عن إمام الحرمين أبي المعالي الجويني -رحمة اللَّه عليه.

أخبرنا الشافعي، أخبرنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر أنه كان ينام قاعدًا ثم يصلي ولا يتوضأ.

وأخرج هذا الحديث أيضًا في كتاب اختلاف الشافعي ومالك، وقال فيه: كان ينام وهو قاعد، وأخرجه أيضًا في كتاب اختلافه مع مالك قال:


(١) روى من حديث علي ومعاوية وفي كلا الإسنادين مقال.
قال الحافظ: قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن هذين الحديثين، فقال: ليسا بقويين، وقال أحمد: حديث علي أثبت من حديث معاوية في هذا الباب.
وحسَّن المنذري وابن الصلاح والنووي حديث علي. التلخيص الحبير (١/ ١١٨).
وراجع نصب الراية (١/ ٤٥ - ٤٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>