للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم أصبح يومًا قد عزم على جلده، فقال لأصحابه: ماذا ترون في جلد قدامة؟ فقالوا: لا نرى أن تجلده ما دام وجعًا، فقال عمر: إنه والله لأن يلقى الله -تعالى- تحت السياط؛ أحب إلي من [أن] (١) ألقى الله -عز وجل- وهو في عنقي، إني والله لأجلدنه، ائتوني بسوط، فجاء مولاه أسلم بسوط يفتق صغير، فأخذه عمر فمسحه بيده ثم قال: قد أخذت دقرارة أهلك.

الدقرارة: واحدة الدقارير وهي الأباطيل وعادات السوء، المعنى: أن عادة السوء التي هي عادة قومك، وهي العدول عن الحق والعمل بالباطل قد عرضت لك فعملت بها، وذلك أن أسلم كان عبدًا بجاويًا.

ائتوني بسوط غير هذا، قال: فجاءه أسلم بسوط تام فأمر عمر -رضي الله عنه- بقدامة فجلد، فغاضب قدامة عمر وهجره، فحجا وقدامة مهاجر لعمر حتى قفلوا من حجهم ونزل عمر بالسقيا فنام بها، فلما استيقظ قال: عجلوا علي بقدامة؛ انطلقوا فأتوني به، فوالله إني لأرى في النوم أنه جاءني آت فقال لي: سالم قدامة فإنه. أخوك، فلما جاءوا بقدامة أبى أن يأتيه، فأمر عمر بقدامة فجر إليه جرًا حتى كلمة عمر واستغفر له، فكان أول صلحهما.

معنى قول عمر إن يجلد قدامة اليوم فلن يترك أحد بعده، لأن مثل قدامة وشرفه وأنه بدري وابن عمه وخال أولاده، إذا لم يراعه في الحد لا يترك أحدا غيره.

وأخبرنا الشافعي: أخبرنا مسلم بن خالد [عن] (٢) ابن جريج قال: قلت لعطاء أتجلد في ريح الشراب؟ فقال: إن الريح ليكون من الشراب الذي ليس به بأس، فإذا اجتمعوا جميعًا على شراب واحد فسكر أحدهم جلدوا جميعًا الحد تامًا.

قال الشافعي: وقول عطاء مثل قول عمر لا يخالفه.


(١) من السنن.
(٢) من المسند (٢/ ٢٩٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>