للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كما تلحى هذه الجريدة" يشير إلى جريدة في يده.

هذا الأمر يريد به: الأمانة والإمارة، وهو إشارة إلى الأمر الذي جاء به، ثم إنه لما جعلهم أولى الناس به اتبعه بما يتبعهم من العجب والبطر والترفع على الناس، فقال: "ما كنتم مع الحق أي": ما لزمتم الحق ودمتم عليه إلا أن تنصرفوا عنه وتميلوا إلى غيره من الباطل، فتلحون أي تنسرون كما تنسر هذه الجريدة: وهي القطعة من عسيب النخل، والعسيب: من السعفة ما بين الكرب ومنبت الخوص، وما ينبت عليه الخوص فهو السعفة، واللحاء -ممدودا-: القشر الذي يكون على العود، تقول: لحوته ألحوه لحوًا، أو لحيته ألحيه لحيًا.

ووجه التشبيه بهذا المثال: أن الجريدة وغيرها من العيدان إذا أخذ قشرها كان ذلك داعيا إلى يبسها وجفافها، لأنها مهما كان قشرها عليها كان أحفظ لها، وكذلك أنتم معشر قريش تجردون من الفضيلة التي خصصتم بها وكنتم بها أولى من غيركم إذا عدلتم عن الحق، فيكون ذلك أدعى إلى ذهاب جاهكم وفضلكم على الناس فإنكم وإن كنتم ذوي نسب شريف تميزتم به على غيركم؛ فإنما يتم لكم ذلك ويستمر بلزوم الحق؛ والوقوف عند حكم العدل والانصاف واتباع الواجب وترك الهوى والميل معه.

وأخبرنا الشافعي: أخبرنا يحيى بن سليم، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن إسماعيل بن عبيد بن رفاعة الأنصاري، عن أبيه، عن جده رفاعة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نادى: "أيها الناس، إن قريشًا أهل أمانة من بغاها العواثر أكبه الله لمنخريه" يقولها ثلاث مرات.

بغيت الشيء أبغيه: إذا طلبته، وبغيتك: طلبته لك، كأن الأصل لغيت لك الشيء فحذف اللام وأوصل الفعل، لأن بغيت لا يتعدى إلا إلى مفعول واحد وعلى هذا جاء قوله: "من بغاها العواثر" أي: بغى لها وطلب لها.

والعواثر: جمع عاثرة أي: خصلة من شأنها العثور وهو السقوط والوقوع

<<  <  ج: ص:  >  >>