للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله: "أو ترى عينيه ما لم تريا" يريد: الكذب في رؤيا النوم، وسمى ذلك رؤيا عين: لأن الرؤيا وإن كانت رؤياه بنفسه لا بجارحة عينه، فإنه إنما يرى في النوم ما يراه متخيلًا بجارحة العين؛ ويسمع بجارحه الأذن وغير ذلك من الجوارح، لأنها هي الطرق المألوفة في اليقظة في إيصال المحسوسات إلى النفس، وحيث كانت كذلك قال: "أو ترى عينيه ما لم تريا"، وإلا فعلى الحقيقه أن العين لا ترى في النوم شيئًا وإنما النفس هي الباصرة السامعة فيه.

قوله: "ومن ادعى إلى غير أبيه" هو من يرغب عن أبيه ويلتحق بغيره، إما تركا للأدنى ورغبه في الأعلى أو خوفًا من الإقرار بنسبه، أو تقربًا إلى غيره بالانتماء إليه، وغير ذلك من الأغراض الداعية للإنسان إلى ارتكاب ذلك إنما صح جمع بين هذه الثلاثة في حديث واحد لمناسبة بينها وأنها من أعظم أبواب الكذب، وذلك أن الكذب على النبي - صلى الله عليه وسلم - لا شبهه في عظمه وإكباره؛ وذلك أنه كذب في أصل من أصول الدين، وهدم لقاعدة عظيمة من قواعد الشرع، والكذب عليه كذب على الله لأنه ما نطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى.

وأما الكذب في النوم: فلأن الرؤيا الصالحة جزء من أربعين جزءًا من النبوة، أو من ستة وأربعين أو غير ذلك على اختلاف الروايات، وقد كان الوحي إلى الأنبياء وإلى نبينا - صلى الله عليه وسلم - وعلى آل كلٍ وسلم، في كثير من الأمر في النوم، والمنام طرف من الوحي يريه الله -تعالى- عباده فإذا كذب فيه فقد كذب في نوع من الوحي، فلذلك كان من أعظم أبواب الكذب.

وأما الادعاء إلى غير الأب: فلأمور منها: أنه قد جاء في الحديث: أن مما كانوا يتلونه من القرآن: لا ترغبوا عن آبائكم، فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم، والذي جاء في القرآن صريحًا في حق الأدعياء قوله تعالى: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ في الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ} (١) وهذا نص في لزوم النسب، وإذا خالف أحدهم نص القرآن


(١) [الأحزاب: ٥].

<<  <  ج: ص:  >  >>