للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن الأعراب كانوا [يسمون] (١) صلاة العشاء صلاة العتمة، والشرع سماها صلاة العشاء، وكلا التسميتين باسم الوقت، فحثهم - صلى الله عليه وسلم - على حفظ الاسم الشرعي الذي لم يكن الأعراب تعرفه، لأنهم لما ألفوه أَحْفَظُ، وبما عرفوه آنس، ولم تكن الأعراب تجري هذا الاسم في خطابها؛ ويحتاج الصحابة أن يخاطبوهم بعد بها؛ لكثرة الملابسة والمجاورة، مالوا إلى الاسم الذي هو العتمة، وغلب على ألسنتهم وأهملوا الاسم الشرعي، فحرضهم على حفظه بطريق النهي، ثم لم يكتف بمجرد النهي حتى جعله من طريق [الغلبة] (٢)، لأن النفوس تنفر أن تغلب بالطبع، فأخرجه مخرج المغالبة، فإن الأعراب يريدون أن يقهروكم ويغلبوكم ويردوكم إلى موافقتهم في تسمية صلاتكم بالعتمة فإياكم أن تنقادوا لهم، ولا أن تسمحوا أن يغلبوكم وترضوا لأنفسكم أن يقهروكم.

ثم انظر إلى ما في قوله: "صلاتكم" وإضافتها إليهم، وتخصيصها بهم؛ حتى كأنها لهم خاصة دون الأعراب من التخصيص والتحريض والحث على المحافظة، لأن من قيل له: لا تنقهر لخصمك في أخذ مالك، ليس كمن يقال له: لا تقهر لخصمك في أخذ مالٍ ما، فإضافتها إليهم مما يؤكدهم على حفظ هذا الاسم، وترك الميل إلى غيره.

ثم قال - صلى الله عليه وسلم -: "هي العشاء" بيانًا للتسمية الشرعية، لأنه قال أولًا: "على اسم صلاتكم" ولم يذكر الاسم، فعقبه بقوله: "هي العشاء" حتى لا يظن أن الاسم الذي أمرهم بالمحافظة عليه هو غيره ثم قال: "ألا إنهم يعتمون بالإبل". "العتمة": هي اسم للثلث الأول من الليل بعد غيبوبة الشفق، قاله الخليل وهو اسم لوقت صلاة العشاء، وقد "عتم الليل" يعتم، وعتمه: ظلامه والمراد بقوله: "يعتمون بالإبل"


(١) ما بين المعقوفتين غير مثبت بالأصل، والسياق يقتضيها.
(٢) في الأصل [القبلة] وهو تصحيف والمثبت هو الموافق للسياق.

<<  <  ج: ص:  >  >>