للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الاستدبار.

"والاستدارة": استفعالة من الدوران، تقول: درت أدور دورًا ودورانًا، إذا كنت محاذيًا بوجهك لجهة فانتقلت عنها وحاذيت جهة أخرى.

وإنما استعمل في هذا الحديث فعل ما لم يسم فاعله؛ في قوله: "أنزل عليه الليلة قرآن"، وفي قوله: "فقد أُمِرَ"، لأنهم كانوا يعلمون أن المنزّل والآمر هو اللَّه تعالى، وإنما يبني الفعل لم لِماَ يسمّ فاعله لأحد خمسة أشياء:-

إما للعلم به كهذا وإما للجهل به، فإن من لا يُعْرَفُ لا يُخْبَرُ عنه، ومن لا يُعْرَفُ اسمه كيف يضاف إليه فِعْلٌ أو قَوْلٌ.

وإما لتعظيمه: كقولك: "قُطع اليوم سارق" فيعلم أن القاطع لا يكون إلا صاحب الأمر كالسلطان والحاكم.

وإما لتحقيره كقولك: "شتم الأمير"، فتعلم أنه ما ترك تسمية الشاتم إلا لحقارته.

(وإما) (١) للخوف عليه كقولك: "قُتِل فلان" فتركت تسمية القائل خوفًا عليه لئلا يُقْتل به.

والذي وردت به الأخبار في أمر القبلة وأول أمرها، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث كان بمكة قبل الهجرة، كان يستقبل بيت المقدس، وكان يحب التوجه إلى الكعبة؛ لأنها قبلة أبيه إبراهيم الخليل -عليه السلام- فكان - صلى الله عليه وسلم - مدة مُقَامه بمكة يجعل البيت بينه وبين جهة بيت المقدس ويصلي، فيكون متوجهًا إليها معها، وكان يستقبل الركن الذي فيه الحجر الأسود، والصفحة التي بين الحجر الأسود والركن اليماني، فكان حينئذ يصلي إلى الغرب وبعض الشمال يسيرًا، ودام على ذلك، فلما هاجر إلى المدينة تعذر عليه الجمع بين القبلتين، كما كان


(١) جاءت مكررة بالأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>