للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا جاز له ذلك لأنه لما ذكر أهله؛ وأنه قد استبدل بهم غيرهم من الوحش قال: ولي دونكم أهلون لذلك.

"والإقفال" (بكسر الهمزة) يريد به الرجوع من السفر، هكذا جاء في الحديث.

والمعروف في اللغة: قفل المسافر يقفل قفولاً، إذا رجع والقافلة: الرفقة الراجعة من السفر. فأما أقفلت فلا أعرفه إلا من قولهم: أقفلت الجند من مبعثهم إذا أذنت لهم في الرجوع؛ كأنك حملتهم على القفول، وكذلك هاهنا كأنهم قالوا: حملنا أنفسنا على القفول وعرضناها له، كما تقول: أبعث الثوب أي عرضته للبيع، وأشريت فلانًا الثوب أي حملته على شرائه.

وقوله: "فأذنا ثم أقيما" ظاهرة يدل على الأمر لهما معا بالأذان والإقامة.

ويجوز أن يطلقه على كل واحد منهما لا على التعيين؛ لأنك إذا قلت لجماعة: اضربوا زيدًا فضربه بعضهم دون بعض؛ كانوا قد امتثلوا الأمر لأن عرضك إنما هو وقوع الضرب بزيد وقد حصل؛ ولم يرد أن يضربه كل منهم.

وعليه قوله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} (١) فهو وإن كان أمرًا للكافة إلا أنه إذا قتلهم بعضهم حصل الامتثال بحصول القتل.

وكذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: "أذنا وأقيما" أي أن الأذان والإقامة مأمور بهما للمسلمين كافة؛ ومتى حصلا من البعض أغنى الباقين لوجودهما.

وهذا مطرد في جميع المأمورات الشرعية إذا وردت عارية من الضوابط والتخصيصات؛ ولم يتعقبها بيان وإيضاح من الشارع ونقصان، أو تفصيل، أو إجمال، أو تخصيص، أو تعميم أو إطلاق ونحو ذلك من أحكام الشرع الواردة في أماكنها.

والذي جاء في رواية أبي داود: "كانا متقاربين في العلم"، "وكانا متقاربين


(١) التوبة (٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>