للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهو قوله "وبما أفضلت السباع كلها" وإنما فعل ذلك، زيادة في البيان، لأنه كان - صلى الله عليه وسلم - مُشَرِّعًا، وحيث رأى السائل قد سأل عن سؤر الحمر-وهم بها عارفون، ولها معانون- عَلِمَ أنه إلى معرفة ما هو أبعد عنه -وأجهل به أَحْوَجُ- وهي السباع، فَعَرَّفهُ الحكم فيها، لأن السباع مرسلة لنفسها في الصحاري، ومِنْ دَأْبها أن ترد الماء الذي يكون في الغدران والمناقع، من غير دافع ولا مانع.

وأما الحمر فلا ترد المياه إلا بمعرفة أصحابها، وهم قادرون على منعها، فأعلمهم الحكم في سؤر السباع التي لاحكم لهم عليها, لكثرة ترددهم في الأسفار، وسكناهم في الصحاري والفلوات، وأن أكثر مياههم التي يستعملونها، إنما هي مياه الغدران والأجمار والمناقع، وما أشبه ذلك.

وقد قال الشافعي -في القديم-:

أخبرنا مالك بن أنس، عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التَّيْمِي، عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب "أن عمر بن الخطاب خرج في ركب فيهم عمرو بن العاص حتى وردوا حوضًا، فقال عمرو بن العاص لصاحب الحوض: يا صاحب الحوض، هل ورد حوضك السباع؟ فقال عمر بن الخطاب: يا صاحب الحوض، لا تخبرنا، فإنا نرد على السباع وترد علينا".

وقال الشافعي -أيضًا في القديم:

أنبأنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينار "أن عمر بن الخطاب ورد حوض مجنة، فقيل له: إنما ولغ الكلب فيه آنفًا، فقال عمر: إنما ولغ بلسانه؛ فشربه أو توضأ".

وهذا يدل على أن الماء الكثير، لا تؤثر فيه النجاسة، إذا لم يغير أحد أوصافه

***

<<  <  ج: ص:  >  >>