ما يقدرون عليه من محبوباتهم أحبهم الرب حباً تاماً مطلقاً فهؤلاء المقربون صارت المباحات في حقهم طاعات (مجموع الفتاوى ١٠/ ١٨٦).
(٢) احتج بعض الملاحدة من الاتحادية بهذا الحديث على أن الحق سبحانه عين العبد وقد رد شيخ الإسلام عليهم بأن أئمة المسلمين اتفقوا على أن الخالق بائن عن مخلوقاته ليس في مخلوقاته شيء من ذاته ولا في ذاته شيء من مخلوقاته بل الرب رب والعبد عبد، والاتحاد الوصفي بأن يحب ما أحبه الله، ويبغض ما يبغضه، ويرضى بما يرضيه، ويغضب لما يغضبه، ويأمر بما أمر به، وينهى عما نهى عنه، ويوالي ويعادي ويحب لله ويبغض لله ويعطي ويمنع يحيث يكون موافقاً لربه تعالى. هذا المعنى حق وهو حقيقة الإيمان وكماله، والمحب يتفق هو ومحبوبه بحيث يرضى أحدهما بما يرضى الآخر، ويأمر بما يأمر به، ويبغض ما يبغضه، ويكره ما يكره، وينهى عما نهى عنه. والحق سبحانه إذا تقرب إليه العبد بالنوافل أحبه على هذا الوجه (مجموع الفتاوى ١٠/ ٤٦٢، ٤٦٣، ٦، ٧، ٣٤٠)(أعلام الحديث ٣/ ٢٢٥٩، ٢٢٦٠).
وقيل معنى الحديث: أن الله تعالى يسدد هذا الولي في سمعه وبصره وعمله بحيث يكون إدراكه بسمعه وبصره، وعمله بيده ورجله كله لله تعالى إخلاصاً، وبالله استعانة، وفي الله تعالى شرعاً واتباعاً فتمَّ له بذلك كمال الإخلاص والاستعانة والمتابعة، وهذا ما فسره به السلف وهو مطابق لظاهر اللفظ موافق لحقيقته وليس فيه تأويل ولا صرف للكلام عن ظاهره (القواعد المثلى لابن عثيمين /٦٩).
(٣) فيه إثبات صفة التردد في قبض نفس المؤمن: وقد رد ذلك بعضهم ظاناً أنه يقتضي عدم العلم بعواقب الأمور.
وجواب هذا الإشكال: أن كلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم حق ليس أحد أعلم بالله من رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا أنصح للأمة منه، ولا أفصح وأحسن بياناً منه، ويجب أن يصان كلامه صلى الله عليه وسلم عن الظنون الباطلة والاعتقادات الفاسدة ولكن المتردد منا وإن كان تردده في الأمر لأجل كونه ما يعلم عاقبة الأمور لا يكون ما وصف الله به نفسه بمنزلة ما يوصف به الواحد منا؛ فإن الله ليس كمثله شيء في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله، ثم إن الواحد منا يتردد تارة لعدم العلم بالعواقب، وتارة لما في الفعلين من المصالح والمفاسد، فيريد الفعل؛ لما فيه من المصلحة، ويكرهه؛ لما فيه من المفسدة، لا لجهله بالشيء الواحد الذي يحب من وجه ويكره من وجه وهذا مثل إرادة المريض لدوائه الكريه بل جميع ما يريده العبد من الأعمال الصالحة التي تكرهها
النفس من هذا الباب، وقد حفت الجنة بالمكاره ومن هذا الباب يظهر معنى التردد المذكور فإن هذا الولي قد أتى بكل ما يقدر عليه من محبوب الحق فأحبه الحق لفعل محبوبه من الجانبين بقصد اتفاق الإرادة بحيث يحب محبوبه ويكره مايكره، والرب يكره أن يسوء عبده ومحبوبه فلزم من هذا أن يكره الموت ليزداد من محاب محبوبه، والله سبحانه قد قضى بالموت فكل ما قضى به فهو يريده ولا بد منه، فالرب مريد لموته لما سبق به قضاؤه وهو مع ذلك كاره لمساءة عبده وهي المساءة التي تحصل له بالموت فصار الموت مراداً للحق من وجه، مكروهاً له من وجه وهذه حقيقة التردد وهي أن يكون الشيء مراداً من وجه ومكروهاً من وجه وإن كان لابد من ترجيح أحد الجانبين كما ترجح إرادة الموت لكن مع وجود كراهة مساءة العبد وليست إرادته سبحانه موت المؤمن الذي يحبه ويكره مساءته كإرادته لموت الكافر الذي يبغضه ويريد مساءته، فالشيء المعين يكون محبوباً من وجه مكروهاً من وجه، وكما أنه يكون في الأفعال فهو في الأشخاص (مجموع الفتاوى ١٨/ ١٢٩، ١٣١، ١٣٥، ١٠/ ٧٥٤، ٧٥٥) وقيل في المراد بالتردد معان أخرى. انظر:(أعلام الحديث ٣/ ٢٢٥٩، ٢٢٦٠)، (العمدة ٢٣/ ٩٠).