(٤) العتب من الله تعالى محمول على ما يليق به سبحانه، والأنبياء ومن دونهم لايعلمون من الغيب إلا ما علمهم الله، وقصة الخضر مع موسى عليه السلام كانت امتحاناً له (الفتح ١/ ٢١٩ - ٢٢١). وفيه احتمال المشقة في طلب العلم، وأن موسى عليه السلام لم يمنعه بلوغه من السيادة المحل الأعلى من طلب العلم وركوب البحر لأجله (الفتح ١/ ١٦٨).
(٥) لزوم التواضع في كل حال، ولهذا حرص موسى عليه السلام على الالتقاء بالخضر، وطلب التعلم منه تعليماً لقومه أن يتأدبوا بأدبه، وتنبيهاً لمن زكى نفسه أن يسلك مسلك التواضع، وفيها: خضوع الكبير لمن يتعلم منه (الفتح ١/ ١٦٩، ١٧٥، ٢٢١) وأن موسى شهد بما علم وصدق، ولكن لما كان فيه نوع من الافتخار عوتب عليه لتشريف منزلته، وإن كان من أهل الجلالة والفخر (العارضة ١٢/ ٢).
(٦) من المعلوم أن نفس علم الله القائم بنفسه لا يزول منه شيء بتعلم العباد، وإنما المقصود أن نسبة علمي وعلمك إلى علم الله كنسبة ما علق بمنقار العصفور إلى البحر، ومن هذا الباب كون العلم يورث. والله سبحانه منزه عن اتصافه بضد العلم بوجه من الوجوه، أو عن زوال علمه عنه فتحقيق الأمر أن المراد ما أخذ علمي وعلمك من علم الله كما قال:{ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء}[البقرة: ٢٥٥] أي مانقص إلا كما نقص أو أخذ أو نال هذا العصفور من هذا البحر أي نسبة هذا إلى هذا كنسبة هذا إلى هذا، وإن كان المشبه به جسماً ينتقل من محل إلى محل ويزول عن المحل الأول، وليس المشبه كذلك وهذا فرق ظاهر يعلمه المستمع من غير التباس فهنا شبه النقص بالنقص وإن كان كل من الناقص والمنقوص والمنقوص منه المشبه ليس مثل الناقص، والمنقوص والمنقوص منه المشبه به، وكل أحد يعلم أن المعلم لايزول علمه بالتعليم، قال علي رضي الله عنه: العلم يزكو على العمل، أو قال: على التعليم، والمال تنقصه النفقة (مجموع الفتاوى ١٨/ ١٩٧ - ٢٠٠)، (العارضة ١٢/ ٩، ١٠)، (شرح النووي ١٥/ ١٤١، ١٤٢)، (التحفة ٨/ ٥٩٥).
حديث أبي هريرة رضي الله عنه:
قوله في لوط:{إن كان ليأوي ... } يعني باعتماده على الله واستناده إليه في القيام بما حمله ولو كان فيه ذهاب نفسه فكأنه صلى الله عليه وسلم رأى أنه فاته أمر كان ينبغي أن ينتبه له فسأل الله أن يرحمه بعدم تفطنه له، وقولة لوط عليه السلام؛ لأنه خشي الغلبة على الأضياف، ولم يكن له منعة من قومه، وجاءه
الخذلان من الموضع الذي كان يرجو النصر منه عادةنطق بذلك تعلقاً بالعادة فاستدرك الرسول
صلى الله عليه وسلم عليه أن لم يرجع إلى حقيقة العبادة، وهو موضع استدراك على مثله في منزلته (العارضة ١١/ ٢٨٢) والله أعلم.
جاء وصف الله تعالى بأنه أرحم بعبده من الأم بولدها، وقد ثبت فيه حديث عمر وجاء فيه حديث عامر الرام، وابن عمر رضي الله عنهم: