الوجه الذي به يليق، وتفسيره بمجازاة الله للعامل بحسب عمله فمن صدق في الإقبال على ربه ـ وإن كان بطيئاً ـ جازاه الله تعالى بأكمل وأفضل ليس خروجاً عن ظاهره ولا تأويلاً كتأويل أهل التعطيل لكن القول الأول أظهر وأسلم وأليق بمذهب السلف.
وقد خرج الحديث مخرج المثال لا الحصر بذكره المشي والعبادات فيها ما لايكون بالمشي فكأنه قال: من أتاني يمشي في عبادة تفتقر إلى المشي؛ لتوقفها عليه بكونه وسيلة لها كالمشي إلى المساجد للصلاة، أو من ماهيتها كالطواف والسعي والله أعلم (القواعد المثلى لابن عثيمين /٧٠ ـ ٧٢)، (شرح التوحيد ٢/ ٥٦٥، ٥٦٦).
الفوائد:
(١) ينبغي للمرء أن يجتهد في القيام بما عليه موقناً بأن الله يقبله ويغفر له لأنه وعد بذلك ولا يخلف الميعاد فإن اعتقد أو ظن أن الله لايقبلها وأنها لاتنفعه فهذا هو اليأس من رحمة الله وهو من الكبائر ومن مات على ذلك وكل إلى ماظن، وأما ظن المغفرة مع الإصرار فذلك محض الجهل والغرة وهو يجر إلى مذهب المرجئة (الفتح ١٣/ ٣٨٦).
(٢) فيه أن الله تكلم بهذا القول مخاطباً عباده بما يريد منهم أن يفعلوه فيثيبهم عليه، وبما يريد أن يجتنبوه حتى لايعاقبهم، والكلام صفة كمال والله تعالى متصف بها، وكلامه متعلق بمشيئته فمتى شاء أن يتكلم تكلم وكلام الله غير محصور ولا نفاد له وهو غير خلقه (شرح التوحيد ٢/ ٣٩١).
(٣) أن الله سبحانه ليس كمثله شيء فبالعلم القطعي أنه في الزمان المفرد يذكره سبحانه جمع كثير في أنفسهم في مشارق الأرض ومغاربها وفي ذلك الزمان نفسه يذكره جمع كثير بالجهرـ ولا يعلم قدرهم إلا الله سبحانه ـ وهو عز وجل يذكر الجميع واحداً واحداً بحسب ذكره له من سر أو جهر مع ما هو سبحانه فيه من حمل جميع الموجودات بقدرته وحكمته على ما جرى فيهم سابق علمه سبحانه وتعالى.
(٤) أن الأعمال في نفسها بعضها أقرب إلى الله من بعض، وأن حسن النية يزيد العمل رفعة وقرباً إلى الله سبحانه.
(٥) الحث على أن يكون للمرء اعتناء بترفيع عمله بأن ينظر الأعلى فالأعلى في أعيان الأعمال، وفي تحسين النية فيها ما أمكنه، ولايخلي قلبه من ذكر مولاه والشغل بما يقرب إليه مع قوة النية وخالص الإيمان والصدق، والتصديق الذي لايخالطه شك ولا ريب (بهجة النفوس ٤/ ٢٧٧، ٢٧٨).
(٦) استدل به على تفضيل الملائكة على بني آدم وفيه خلاف.
(شرح الأبي ٧/ ١١١) (شرح النووي ١٧/ ٣) (الفتح ١٣/ ٣٨٦، ٣٨٧)
وذهب شيخ الإسلام إلى أن الحديث ليس حجة في تفضيل الملائكة فإن الملأ الأعلى الذين يذكر الله من ذكره فيهم هم صفوة الملائكة وأفضلهم، والذاكر فيهم للعبد هو الله فلو كان في مجلس النبي صلى الله عليه وسلم وإن كان أفضل البشر لكن الذين حوله ليسوا أفضل من بقي من البشر الفضلاء فالرسل والأنبياء أفضل منهم، ثم إن مجلس أهل الأرض إن كان فيه جماعة من الأنبياء ويذكر العبد فيهم ربه فالله تعالى يذكر العبد في جماعات من الملائكة أكثر من أولئك فيقع الخير