(٥) نبه ابن القيم على اشتمال كلمات التلبية على قواعد عظيمة وفوائد جليلة:
إحداها: تضمنها إجابة داع دعاك ومنادٍ ناداك ولا يصح في لغة ولاعقل إجابة من لايتكلم ولا يدعو من أجابه.
الثانية: تضمنها المحبة؛ لأنك لاتقول: لبيك إلا لمن تحبه وتعظمه.
الثالثة: تضمنها التزام دوام العبودية من معنى الإقامة.
الرابعة: تضمنها الذل والخضوع من قولهم: أنا ملبّ بين يديك أي خاضع ذليل.
الخامسة: تضمنها الإخلاص؛ إذ اللب هو الخالص.
السادسة: تضمنها الإقرار بسمع الرب تعالى؛ إذ لايقال: لبيك لمن لايسمع.
السابعة: تضمنها التقرب من الله من الإلباب وهو التقرب.
الثامنة: أنها شعار الانتقال من حال إلى حال، ومن منسك إلى منسك، ولهذا كانت السنة أن يلبي حتى يشرع في الطواف فيقطعها، ثم إذا سار لبّى حتى يقف بعرفة فيقطعها، ثم يلبي حتى يقف بمزدلفة فيقطعها، ثم يلبي حتى يرمي جمرة العقبة فيقطعها فإذا حلَّ من نسكه قطعها.
التاسعة: أنها شعار التوحيد الذي هو روح العبادات ومقصدها.
العاشرة: تضمنها مفتاح الجنة وباب الإسلام الذي يدخل منه إليه، ففيها كلمة الإخلاص والشهادة بأنه سبحانه لاشريك له.
الحادية عشرة: اشتمالها على الحمد لله وهو من أحب ما يتقرب به العبد إلى الله.
الثانية عشرة: اشتمالها على الاعتراف لله بالنعمة كلها، وبالملك كله وهذا المعنى مؤكد الثبوت بإن المقتضيه تحقيق الخبر وأنه مما لايدخله ريب ولا شك.
الثالثة عشرة: تضمنها الإخبار عن اجتماع الملك والنعمة والحمد لله عز وجل.
الرابعة عشرة: اشتمال التلبية على أفضل الذكر الوارد في الحديث: {لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير} وقد اشتملت التلبية على هذه الكلمات وتضمنت معانيها، وقول: {على كل شيء قدير} يمكن أن تدخل تحت قوله: {لاشريك لك} أو {إن الحمد والنعمة لك} أو تحت إثبات الملك إذ لو كان بعض الموجودات خارجاً عن قدرته سبحانه وملكه واقعاً بخلق غيره لم يكن نفي الشريك عاماً، ولم يكن إثبات الملك له والحمد عاماً وهذا من أعظم المحال، والملك كله لله، والحمد كله له وليس له شريك بوجه من الوجوه.