(٢) فيه عطف الملك علىلحمد والنعمة بعد كمال الخبر، ولم يقل: إن الحمد والنعمة والملك لك، وفيه لطيفة بديعة هي: أن الكلام يصير بذلك جملتين مستقلتين فإنه لو قال: إن الحمد والنعمة والملك لك، لكان عطف الملك على ما قبله عطف مفرد على مفرد، فلما تمت الجملة الأولى بقوله: لك، ثم عطف الملك كان تقديره والملك لك، فيكون مساوياً لقوله: له الملك وله الحمد (تهذيب سنن أبي داود ٢/ ٣٤٠)، وقيل لأن الحمد متعلق بالنعمة ولهذا يقال: الحمد لله على نعمه، فكأنه قال: هنا لا حمد إلا لك لأنه لانعمة إلا لك، أما الملك فهو معنى مستقل بنفسه ذكر لتحقيق أن النعمة كلها لله؛ لأنه صاحب الملك (الفتح ٣/ ٤٠٩) وفي الجمع بين الحمد والملك كمال مع كمال وهو عامة الكمال؛ لأن الملك وحده كمال والحمد وحده كمال، واقتران أحدهما بالآخر كمال، فإذا اجتمع الملك المتضمن للقدرة مع النعمة المتضمنة لغاية النفع والرحمة والاحسان مع الحمد المتضمن لعامة الجلال والإكرام الداعي إلى محبته كان في ذلك من العظمة والكمال والجلال ما هو أولى به، وهو أهله، وكان في ذكر العبد له ومعرفته به من انجذاب قلبه إلى الله، وإقباله عليه سبحانه، والتوجه بدواعي المحبة كلها إلى الله ما هو لب العبودية ومقصودها (تهذيب سنن أبي داود لابن القيم ٢/ ٣٣٩).
(٣) اختلف في الزيادة على تلبية الرسول صلى الله عليه وسلم، فقيل: تستحب، وقيل: لا ينبغي أن يزاد على ما علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس، واختار بعضهم: أن الاقتصار على التلبية المرفوعة أفضل لمداومته هو صلى الله عليه وسلم عليها، وأنه لا بأس بالزيادة لكونه صلى الله عليه وسلم سمع أصحابه يزيدون فلم يردها عليهم وأقرهم عليها (الفتح ٣/ ٤١٠). وقد روى البيهقي قول الشافعي في تلبيته صلى الله عليه وسلم الواردة في حديث ابن عمر:" وهي التي أحب أن تكون تلبية المحرم، إلا أن يدخل ما روى أبو هريرة لأنه مثلها في المعنى؛ لأنه تلبية والتلبية إجابة، فأبان أنه أجاب إله الحق بـ {لبيك} أولاً وأخيراً، وقال: ولايضيق على أحد في مثل ما قال ابن عمر ولاغيره من تعظيم الله ودعائه مع التلبية غير أن الاختيار عندي: أن يفرد ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من التلبية "(معرفة السنن والآثار ٧/ ١٣٥، ١٣٦). قال ابن حجر:"وهذا أعدل الوجوه، فيفرد ما جاء مرفوعاً، وإذا اختار قول ماجاء موقوفاً، أو أنشأه هو من قبل نفسه مما يليق قاله على انفراده حتى لايختلط بالمرفوع، وهو شبيه بالدعاء في التشهد حيث إنه بعدما يفرغ من المرفوع يتخير من الدعاء والثناء ما شاء ".
(٤) اختلف في حكم التلبية، وقد ذكر ابن حجر فيها عشرة أقوال (الفتح ٣/ ٤١٠، ٤١١).