للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

(١) أنها أصل الدين، وأساس الهداية، وأفضل وأوجب ما اكتسبته القلوب، وحصلته النفوس، وأدركته العقول، والمراد بذلك معرفة ما ينبغي اعتقاده لا معرفة كيفية الرب وصفاته، وليست النفوس الصحيحة إلى شيء أشوق منها إلى معرفة هذا الأمر، ولا يستقر للعبد قدم في المعرفة ـ بل ولا في الإيمان ـ حتى يؤمن بصفات ربه، ويعرفها معرفة تخرجه عن حد الجهل بربه، ومما يؤكد أهمية ذلك أن القرآن الكريم فيه من ذكر أسماء الله ـ سبحانه وتعالى ـ وصفاته وأفعاله أكثر مما فيه من ذكر الأكل والشرب في الجنة، والآيات المتضمنة ذكر أسماء الله وصفاته أعظم مما فيها من ذكر المعاد، ولذا كانت آية الكرسي أعظم آية في كتاب الله، وسورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن، ومن أحبها أحبه الله؛ لأنها صفة الرحمن فالله تعالى يحب من يحب ذكر صفاته سبحانه وتعالى.

(٢) أن معرفة الله تعالى بأسمائه وصفاته غاية المعارف، وعبادته أشرف المقاصد، والوصول إليه غاية المطالب وهي خلاصة الدعوة النبوية، وزبدة الرسالة الإلهية لذا حرص الرسل جميعهم على تعريف أممهم ما يقولونه بألسنتهم، ويعتقدونه في قلوبهم في ربهم ومعبودهم رب العالمين وقد ظهر ذلك جلياً في سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فاشتغال العبد بمعرفته

سبحانه وتعالى اشتغال بما خُلق له؛ لأن الله خلق الخلق ليعبدوه ولا يمكن أن يعبدوه دون أن يعرفوه، وترك معرفة ذلك وتضييعه إهمال لما خلق له وقبيح بعبد لم تزل نعم الله عليه متواترة، وفضله عليه عظيم متوالٍ من كل وجه أن يكون جاهلاً بربه معرضاً عن معرفته (١).

(٣) أن أوصافه سبحانه وتعالى، ونعوت كماله، وحقائق أسمائه هي الجاذبة للقلوب إلى محبته وطلب الوصول إليه؛ لأن القلوب إنما تحب من تعرفه، وتخافه، وترجوه، وتشتاق إليه، وتلتذ بقربه، وتطمئن إلى ذكره بحسب معرفتها بأسمائه وصفاته، ومحبة الله تعالى هي أصل الخير والسعادة والفلاح (٢).

(٤) أن الإيمان بالله أحد أركان الإيمان بل أفضلها وأصلها، وليس الإيمان مجرد قول العبد: آمنت بالله من غير معرفته بربه، بل حقيقة الإيمان أن يعرف الذي يؤمن به، ويبذل جهده في معرفة أسمائه وصفاته حتى يبلغ درجة اليقين، وبحسب معرفته بربه يكون إيمانه فكلما ازداد معرفة بربه ازداد إيمانه وخشيته ومحبته لربه وتعلقه به، كما تجلب له البصيرة التي تحصنه عن الشهوات، وكلما نقص نقص. وأقرب طريق يوصله إلى ذلك: تدبر أسمائه وصفاته، والطريق إلى ذلك أنه إذا مَرَّ به اسم من أسماء الله أثبت له ذلك المعنى، وكماله وعمومه، ونزهه عما يضاد ذلك (٣).

(٥) أن معرفة أسماء الله وصفاته على الوجه الذي أخبر به عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم توجب على العبد القيام بعبوديته سبحانه على الوجه الأكمل فكلما كان الإيمان بها أكمل كان الحب والإخلاص والتعبد أقوى، وأكملهم عبودية المتعبد بجميع


(١) انظر: الفتوى الحموية الكبرى، لابن تيمية (٥، ٦)، درء تعارض العقل والنقل، لابن تيمية (٥/ ٣١٠ - ٣١٢)، تيسير ... الكريم الرحمن، للسعدي (١/ ٢١، ٢٢).
(٢) انظر: مدارج السالكين: لابن القيم (٣/ ٣٤٧، ٣٥١).
(٣) انظر: تيسير الكريم الرحمن، للسعدي (١/ ٢٢)، معتقد أهل السنة والجماعة، للتميمي (١٩ - ٢٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>