للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أجابه بمثل ما قال فدل ذلك على أن الأمر في قوله - عليه السلام -: "فقولوا مثل الذي يقول" ليس على الإيجاب، وأنه على الاستحباب وإصابة الفضل كما في سائر الأدعية التي عَلَّمها رسُول الله - عليه السلام - أمته أن يقولوها في أدبار الصلوات وما أشبه ذلك.

قلت: فيه نظر لأن الأمر المطلق المجرد عن القرائن يدل على الوجوب ولا سيما قد تأيد ذلك بما روي من الآثار والأخبار في الحث على الإجابة.

وقد روي ابن أبي شيبة في "مصنفه" (١): عن وكيع، عن سفيان، عن عاصم، عن المسيب بن رافع، عن عبد اللهَ قال: "من الجفاء أن تسمع المؤذن ثم لا تقول مثل ما يقول".

ولا يكون من الجفاء إلا ترك الواجب، وترك المستحب ليس من الجفاء ولا تاركه جافٍ.

وأما حديث ابن مسعود فلا ينافي إجابة الرسول - عليه السلام - لذلك المنادي بمثل ما قال، وترك الراوي ذكره لأنه يمكن أن يكون قد قال مثل ما قال ذلك المنادي ثم قال ما قال، أو قال ما قال ثم أجاب، فتقدمُ ما قال على الإجابة يكون لمصلحة ظهرت له في ذلك الوقت، أو يكون الأمر بالإجابة بعد هذه القضية.

قوله: "والنَدبة" بفتح النون: الدعوة، من ندبه الأمر فانتدب له أي دعاه له فأجاب، وأما النُدبة -بضم النون- فهو اسم للنْدب من ندب على الميت إذا بكى عليه وعدّد محاسنه، والنَّدَب -بالتحريك- الخطر والندَبُ أيضًا: أثر الجرح إذا لم يرتفع عن الجلد.

قوله: "في دبر الصلوات" أي عقيبها وأدبارها، ودبر كل شىء عقيبه.

قوله: "وما أشبه ذلك" أي: من الأدعية التي علمهم النبي - عليه السلام - أن يقولوها عند الصباح والمساء ونزول المطر وهبوب الريح وركوب الدابة ونحو ذلك.


(١) "مصنف ابن أبي شيبة" (١/ ١١٦ رقم ١٣٢٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>