بيان وقوع التضاد عند عدم التوفيق: أن الآثار المذكورة تدل على نجاسة الماء الراكد مطلقا، سواء كان في قلة أو قربة أو طشَتٍ أو حوض أو نحو ذلك، وسواء كان قليلًا أو كثيرا، وسواء تغيّر أحد أوصافه أو لا، وحديث القلتين يدل بظاهره على أن الماء إذا بلغ قلتين لا يتنجس بوقوع النجاسة، وبينهما منافاة ظاهرة؛ لأن كلا الماءين من الماء الذي لا يجري فالحكم في أحدهما بالنجاسة وفي الآخر بالطهارة والحال أنهما سواء تضاد ومنافاة، فإذا حمل حديث القلتين على ما ذكرنا ارتفع التضاد وتوافقت الآثار واتحدت معانيها.
وهَا هنا جواب آخر تفردت به وهو أنكم إذا حملتم معنى القلة على قلة معينة يعرفها أهل الحجاز الذي هو أحد معاني القلة، فنحن أيضًا نحمله على معنى قامة الرحل؛ لأنه أحد محتملاته، فيكون المعنى إذا بلغ الماء قامتين لا يحمل الخبث وقدر القامتين لا يكون إلَّا في الغدران والحياض الكبيرة فيكون كثيرا، ونحن أيضًا نقول: إنَّ الماء الكثير لا يتنجس بوقوع النجاسة فيه إلَّا إذا تغيّر أحد أوصافه من الطعم واللون والرائحة.
فإن قلتم: حَمْلكم على معنى القامة ترجيح بلا مرجح.
قلنا: حَمْلكم أيضًا على قلة يعرفها أهل الحجاز ترجيح بلا مرجح.
فإن قلتم: عندنا ما يرجح ذلك وهو رواية ابن جريج أنَّهَا قلال هجر.
قلنا: قد مرَّ الجواب عن هذا أن ابن جريج لا يقلد في ذلك، وقد حمل بعض الناس القلة على قلّة الجبل وهي أعلاه لأن قلة كل شيء أعلاه وهذا بعيد عادة؛ لأن الماء إذا بلغ إلى أعلى الجبلين يكون كالبحر فلا تؤثر فيه النجاسة أصلًا، فلا يبقى لقوله:"إذا بلغ الماء أعلى الجبلين لا يحمل الخبث" زيادة فائدة.
ص: وهذا المعنى الذي صححنا عليه معاني هذه الآثار، هو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد -رحمهم الله-.
ش: أراد بهذا المعني: وجه التوفيق الذي ذكره بين الآثار المذكورة وحديث القلتين.