للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ش: هذا جواب عن الإيراد المذكور، تقريره: أن حديث أنس يحتمل ثلاث وجوه:

الأول: أنه يحتمل المعنى الذي ذكره الخصم؛ لأن باب الاحتمال مفتوح.

الثاني: يحتمل أن تكون صفة الجمع التي ذكرت فيه من كلام محمد بن مسلم الزهري وليس من كلام أنس؛ فإن من عادة الزهري أنه كثيرًا ما كان يصل الحديث بكلامه حتى يتوهم المتوهم أنه من الحديث، والحال أنه من كلام نفسه.

الثالث: أنه يحتمل أن يكون معنى قوله: "إلى أول وقت العصر". إلى قرب أول وقت العصر؛ لأن مثل هذا كثير في الكلام شائع ذائع كما قد ذكرناه.

ثم إنا إذا سلمنا أنه من كلام أنس وليس هو من كلام الزهري؛ يبقى معنا الاحتمالان المذكوران، فإن كان المعنى في نفس الأمر على الاحتمال الذي ذكرناه، وهو أن يكون المراد منه قرب أول وقت العصر فلم يبق حينئذ حجة للخصم، ولا اعتراض به على غيره، وإن كان المعنى في نفس الأمر على ما ذكره الخصم، وهو أن يكون - عليه السلام - صلاها في وقت العصر، وأن هذا هو جمعه - عليه السلام - فيعارضه حينئذ حديث عبد الله بن عمر الذي رواه الطحاوي فيما مضى، عن فهد، عن الحماني، عن ابن المبارك، عن أسامة بن زيد، عن نافع ... فذكر الحديث، وفيه: "حتى إذا كان عند غيبوبة الشفق نزل فجمع بينهما، وقال: رأيت النبي - عليه السلام - يصنع هكذا". فإنه يدل على أنه - عليه السلام - أخّر المغرب إلى آخر وقته، وقدم العشاء في أول وقتها.

وكذلك يعارضه حديث عائشة، فإنه أيضًا يدل على أنه - عليه السلام - أخّر الظهر إلى آخر وقته، وقدم العصر في أول وقته، وأخّر المغرب إلى آخر وقته، وقدم العشاء في أول وقته، فإذا تعارض الخبران فالمصير إلى خبر ابن عمر وعائشة - رضي الله عنهم - أولى؛ لموافقة الأصول، ولاحتمال حديث أنس ما ذكرنا من الوجهين.

وإسناد حديث عائشة حسن جيد، والحسن بن بشر البجلي الكوفي أحد مشايخ البخاري، والمعافى بن عمران الأزدي الفهمي أبو مسعود الموصلي، روى له البخاري وأبو داود والنسائي.

<<  <  ج: ص:  >  >>