قوله:"فَضُرب على آذانهم" كلمة فصيحة من كلام العرب، معناه أنه حجب الصوت والحسّ عن أن يلجأ آذانهم فينتبهوا، ومن هذا قوله تعالى:{فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا}(١). فكأنها قد ضرب عليها حجاب.
قوله:"هُنَيَّة" أي قليلًا من الزمان، وهي تصغير هنة.
قوله:"فرطنا" أي قصرنا.
ص: وهذا ابن عباس - رضي الله عنهما - مقد روي عنه، عن رسول الله - عليه السلام - أنه جمع بين الصلاتين، ثم قال ما حدثنا أبو بكرة، قال: نا أبو داود، قال: ثنا سفيان بن عيينة، عن ليث، عن طاوس، عن ابن عباس قال:"لا تفوت صلاة حتى يجيء وقت الأخرى".
فأخبر ابن عباس أن مجيء وقت الصلاة بعد الصلاة التي قبلها فوتٌ لها، فثبت بذلك أن ما علمه من جمع النبي - عليه السلام - بين الصلاتين كان بخلاف صلاته إحداهما في وقت الأخرى.
ش: هذا أيضًا إشارة إلى تأييد صحة تأويل أهل المقالة الثانية من صورة جمع المسافر بين الصلاتين، بيانه: أن عبد الله بن عباس روى عن النبي - عليه السلام - أنه جمع بين الصلاتين -كما مرَّ في أول الباب- ثم قال هو:"لا تفوت صلاة حتى يجيء وقت الأخرى". فأخبر أن مجيء وقت الصلاة بعد الصلاة التي قبلها فوت للصلاة الأولى، فدل ذلك أن ما علمه من جمع النبي - عليه السلام - بين الصلاتين كان بخلاف صلاته إحداهما في وقت الأخرى، إذْ لو لم يكن كذلك لكان بين روايته عنه - عليه السلام - وبين قوله تضادًّا، فعلمنا أن معنى جمعه - عليه السلام - بين الصلاتين هو: أن يؤخر الأولى إلى آخر وقتها، ويقدم الثانية في أول وقتها، فيكون جمعه بين الصلاتين فعلًا لا وقتًا.
وإسناد أثر ابن عباس صحيح، ورجاله أئمة كبار ثقات، وأبو بكرة بكار القاضي، وأبو داود سليمان بن داود الطيالسي، وليث هو ابن أبي سليم.