أبي سعيد- عن ابن عُينية، عن شبيب بن غرقدة، عن حبان بن الحارث قال:"أتيت عليًّا - رضي الله عنه - وهو معسكر بِدَيْر أبي موسى، فوجدته يطعم، فقال: ادن فكل، فقلت: إني أريد الصوم، قال: وأنا أريده، فدنوت فأكلت، فلما فرغ قال: يا ابن التياح، أقم الصلاة".
ص: فأردنا أن ننظر هل روي عنه ما يدل على شيء من ذلك؛ فإذا أبو بشر الرفي قد حدثنا، قال: ثنا شجاع بن الوليد، عن داود بن يزيد الأودي، عن أبيه قال:"كان علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - يصلي بنا الفجر، ونحن نتراءى الشمس مخافة أن تكون قد طلعت".
فهذا الحديث يخبر عن إنصرافه أنه كان في حال التنوير، فدل ذلك على ما ذكرنا.
ش: لما أول ما روي عن علي - رضي الله عنه - من الأثر المذكور بالتأويل المذكور، أتى بأثر آخر روي عنه يدل على صحة ما ذكره من التأويل؛ لأنه كان يخبر فيه أنه كان ينصرف عن صلاته في حال التنوير، فإذن لا يتم استدلال أهل المقالة الأولى بالأثر المذكور، بل يكون هو دليلًا لنا عليهم على ما لا يخفى، وعندي جواب آخر فتح لي من الأنوار الإلهية، وهو أن إقامة علي - رضي الله عنه - الصلاة بعد فراغه من السحور لم يكن لأجل أن التغليس أفضل عنده، وإنما كانت لكونه مشغولًا بأمر العسكر لمصالح العباد، فاستعجل في إقامة الصلاة في أول وقتها ليتفرغ إلى أشغاله، والدليل عليه: رواية البيهقي: "أتيت عليًّا وهو يعسكر بِدَيْر أبي موسى" فكان علي على السفر وتجهيز العسكر، وكان تغليسه لذلك، وكان ربما لو أخر إلى الإسفار لضاعت مصالح المسلمين، ورعاية مصالح المسلمين أولى بل أوجب من رعاية الوقت المستحب، فافهم.
وأبو بشر الرقي اسمه عبد الملك بن مروان وقد تكرر ذكره. وشجاع بن الوليد بن قيس السكوني روى له الجماعة، وداود بن يزيد الأودي الزعافري أبو يزيد الكوفي الأعرج، عمّ عبد الله بن إدريس، فيه مقال، فضعفه أحمد ويحيى، وروى له الترمذي وابن ماجه.