للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصلاة بغلس، وخروجه إلا بعد الإسفار الشديد؛ لأن قراءة هاتين السورتين مع التأني والتوقف يقتضي ساعة مديدة، وهذا ظاهر حسيًّا ولا يُنكر، فَعُلم من هذا كله أن الإسفار مطلوب مستحب؛ لأن عمر - رضي الله عنه - ما كان يطول في القراءة إلا لينال هذه الفضيلة، ولأن فيه شغل كل الوقت بالعبادة، على أن الأصل أن يكون وقت كل صلاة مشغولًا بصلاته، وأن يشرع المصلي فيها من أوله ويمدها إلى آخره، ولكن الله تعالى رخص لعَبيدِه رحمةً عليهم، أن يصلوا كل صلاة في وقتها في أي جزء كان من ساعاتها بعد أن يُجانبوا التفويت والتفريط.

ثم إنه أخرج الآثار المذكورة من تسع طرق صحاح، رجالها كلهم ثقات:

الأول: عن يونس بن عبد الأعلى، عن عبد الله بن وهب المصري، عن مالك بن أنس، عن هشام بن عروة، عن أبيه عروة بن الزبير بن العوام - رضي الله عنه - عن عبد الله بن عامر بن ربيعة العَنْزي -بفتح العين، وسكون النون- مات رسول الله - عليه السلام - وعمره خمس سنين، وروى عنه - عليه السلام -.

وأخرجه مالك في "موطإه" (١): عن هشام بن عروة ... إلى آخره نحوه سواء.

وقال مسلم (٢): أصحاب هشام بن عروة كلهم يروون هذا الحديث عن هشام بن عروة، قال: أخبرني عبد الله بن عامر بن ربيعة قال: "صليت خلف عمر - رضي الله عنه -" ولم يقولوا: عن أبيه، كذلك رواه أبو أسامه وحاتم بن إسماعيل ووكيع ابن الجرح، عن هشام بن عروة، وهو الصواب عندي؛ لأنهم جماعة حفاظ.

قوله: "فقلت" قائله عروة بن الزبير، وعلى قول مسلم قائله هشام بن عروة.

قوله: "لقد كان يقوم حين يطلع الفجر" أي لقد كان عمر بن الخطاب يقوم إلى الصلاة من حين طلوع الفجر؛ وذلك لأن هذه القراءة الطويلة تقتضي وقتًا مديدًا ولا يكون ذلك إلا من حين طلوع الفجر إلى وقت الإسفار جدًّا.


(١) "موطأ مالك" (١/ ٨٢ رقم ١٨٣).
(٢) "التمييز" (١/ ٢٢٠) بنحوه.

<<  <  ج: ص:  >  >>