رسول الله - عليه السلام -: أبرد في الظهر، قال: حتى رأينا فيء التلول، ثم أقام فصلى، فقال رسول الله - عليه السلام - إن شدة الحر من فيح جهنم؛ فأبردوا عن الصلاة".
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.
قوله: "فأذن بلال" أراد به: فأقام؛ لأن الإقامة يطلق عليها الأذان؛ والدليل عليه رواية الترمذي: "فأراد أن يقيم"؛ لأنه - عليه السلام - ما منعه عن الأذان في أول الوقت؛ وإنما منعه عن إقامته الصلاة في شدة الحر، وكذلك المراد من قوله: "فأراد أن يؤذن" معناه: أن يقيم، أو يكون المعنى: فأراد أن يؤذن كما صرح به في رواية أبي داود.
قوله: "مَهْ" أي اكفف، ودع الإقامة في هذا الوقت؛ وهذا من أسماء الأفعال كـ"صَهْ" فإن معناه اسكت، وهو يستعمل مع الفرد والمثنى والمجموع، والمذكر والمؤنث بلفظ واحدٍ، ويُنوَّن فيكون نكرةً، ويترك تنوينه فيكون معرفةً.
قوله: "حتى رأينا فيء التلول" أي ظلها، والتلول جمع تلّ -بتشديد اللام- ويجمع على تلال أيضًا.
قوله: "من فيح جهنم" بفاء مفتوحة، وياء آخر الحروف ساكنة، وحاء مهملة؛ أي سطوع حرها وانتشاره وغليانها؛ وأصله في كلامهم: السعة والانتشار، ومنه قولهم في الغارة "فيحي فياح"، ومكان أفيح أي واسع، وأرض فيحاء أي واسعة.
وللكلام وجهان:
حقيقي: وهو أن تكون شدة حر الصيف من وهج حَرِّ جهنم على الحقيقة وروي (١) "أن الله تعالى أذن لجهنم في نفسين: نفس في الصيف، ونفس في الشتاء؛ فأشد ما تجدونه من الحرّ في الصيف فهو من نفسها، وأشد ما تجدونه من البرد في الشتاء فهو منها".
ومجازي: وهو أن يكون هذا الكلام من باب التشبيه؛ أي كأنه نار جهنم من الحر؛ فاحذروها واجتنبوا ضررها. وقد قيل: روي: "فإن شدة الحر من فتح جهنم"