للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قيل له: قد يجوز أن يكون كانوا يفعلون ذلك بسرعة عمل، وقد أخرت العصر، فليس في هذا الحديث عندنا حجة على من يرى تأخير العصر، وقد ذكرنا في باب مواقيت الصلاة في حديث بريدة - رضي الله عنه - أن رسول الله - عليه السلام - لما سئل عن مواقيت الصلاة "صلى العصر في اليوم الأول والشمس بيضاء مرتفعة نقيّة، ثم صلاها في اليوم الثاني والشمس مرتفعة أخرها فوق الذي كان أخرها في اليوم الأول".

فكان قد أخرها في اليومين جميعًا ولم يعجلها في أول وقتها كما فعل في غيرها؛ فثبت بذلك أن وقت العصر الذي ينبغي أن يصلى فيه، هو ما ذهب إليه من ذهب إلى تأخيرها, لا ما ذهب إليه الآخرون.

ش: هذا إيراد من الخصم بالحديث المذكور تقريره أن يقال: إنكم ادعيتم استحباب تأخير العصر، وأقمتم عليها براهن وأجبتم عما جاء من الأخبار الدالة على التعجيل بها فما تقولون في حديث رافع بن خديج؟ فإنه أخبر أنهم كانوا يصلون العصر مع النبي - عليه السلام -، ثم ينحرون الإبل ويقسمون لحمه، ثم يطبخون ذلك، ويأكلون لحمًا نضيجًا مستويًا قبل غروب الشمس؛ فهذا أدلّ دليل على استحباب تعجيل العصر؛ لأن نحر الإبل وسلخه وتقسيم لحمه عشر قسم، ثم طبخه نضيجًا والأكل منه يقتضي ساعة مديدة، فلو كان - عليه السلام - يؤخرها لم تلحق هذه الأشياء بعد صلاته قبل غروب الشمس، وهذا معلوم بالعقل.

فأجاب الطحاوي بأنه قد يجوز أن يكون فعلهم هذا كله بالسرعة والاستعجال، والحال أن العصر قد أُخِّرت عن أول وقتها، وهذا أيضًا لا ينكر عقلًا، ألا ترى أن من عادة الملوك ومن يحذو حذوهم إذا اشتهوا أنواعًا من الأطعمة على غير العادة فينهض من يتولى أمر طعامهم من الساعة الراهنة ويذبح غنمًا أو بقرًا أو فرسًا أو طيرًا على حسب الاشتهاء فيجهز منها أنواع الأطعمة ويحضرها بين يدي الملك وكل ذلك في وقت يسير جدًا وذلك بمفعول الآلات والغرض وسرعة العمل، والغرض من ذلك أن هذا أمرٌ لا ينكر لا عقلًا ولا عادة.

<<  <  ج: ص:  >  >>