للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بإصابته إذا كان في بعض الصلوات فرضًا كان في سائرها كذلك، فلما رأينا القراءة في المغرب والعشاء والصبح واجبة في قول هذا المخالف لا بد منها ولا تجزى الصلاة إلا بإصابتها كان كذلك هي في الظهر والعصر، فهذه حجة قاطعة على من ينفي القراءة من الظهر والعصر ممن يراها فرضًا في غيرهما، وأما من لا يرى القراءة من صلب الصلاة فإن الحجة عليه في ذلك: أنا قد رأينا المغرب والعشاء يقرأ في كلتيهما في قوله، ويجهر في الركعتين الأوليين منهما، ويخافت فيما سوى ذلك.

فلما كان سنة ما بعد الركعتين الأوليين هي القراءة، ولم تسقط بسقوط الجهر، كان النظر على ذلك: أن تكون كذلك السنة في الظهر والعصر لما سقط الجهر فيهما بالقراءة أن لا تسقط القراءة؛ قياسًا على ما ذكرنا، وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله.

ش: أراد بالقوم هؤلاء: جماعة من أصحاب الأئمة الأربعة، حيث استدلوا على وجوب القراءة في الظهر والعصر بحديث خباب بن الأرت وذلك لأن أبا معمر لما سأل خبابًا: "هل كان رسول الله - عليه السلام - يقرأ في الظهر والعصر؟ قال له: نعم. فقال: بأي شيء عرفتم ذلك؟ قال خباب: باضطراب لحيته - صلى الله عليه وسلم -". ولم يرض الطحاوي بهذا الاستدلال، حيث قال: فلم يكن في هذا دليل عندنا على قراءته؛ لاحتمال أن يكون اضطراب لحيته المباركة بالتسبيح أو التهليل أو الدعاء أو بذكر من الأذكار، فلا يتم به الاستدلال مع هذا الاحتمال. هذا ما قاله، ولقائل أن يقول: هذا احتمال بعيد، فلا يضرُّ صحة الاستدلال، وذلك أنه - عليه السلام - قد قال: لا صلاة إلا بقراءة، فكيف يجوز بعد هذا القول أن يترك القراءة ويشتغل بالتسبيح ونحوه، بل الظاهر من الحال هو قراءته - عليه السلام - ولأن المصلي يناجي ربه في صلاته، وقراءة القرآن في حال المناجاة أولى وأجدر من الذكر على ما لا يخفي.

قوله: "ولكن الذي حقق": أشار به إلى أن الدليل المرضي عنده في وجوب القراءة في الظهر والعصر هو الأحاديث التي رواها في الفصل الذي قبل هذا، وأراد بها

<<  <  ج: ص:  >  >>